عام

من نشأت جبارة إلى نشأت الكرمي

Views: 2206


استثنائي هو ربيع 1977 وفيه ولد “النشأتان”، لا أعرف سر اسم نشأت، ولكن أن يشهد أسبوع واحد ولادتهما ليحملا ذات الاسم، ثم تتشابك دروبهما إلى حد التوأمة، لم يكن محض صدفة؛ لكنه تقدير القدير ليجعل لهما شأنًا ولو بعد حين.
هناك حيث كانتِ الضمة الأولى؛ كان الإياب، في طولكرم ومساجدها التي عرفتهما صغيريْن عظيميْن، القرآن مائدتهما الأولى والمواجهة خيارهما الوحيد، هناك؛ بدآ طريق الجهاد إلى النصر والاستشهاد.

أثرت فيهما الانتفاضة الأولى فأذكت أرواحهما، كما كان انطلاق حركة حماس المؤثر الأكبر في استثمار صدق قلبيهما، وفي كل ميدان حرصا على السبق، مستنفذيْنِ كل وسيلة تثخن في الاحتلال وتدنيهما من الشهادة.

قاد الكرمي الحركة الطلابية الإسلامية، وأسس مع الشهيد مؤيد صلاح الدين “ثوار الإسلام” إثر رفض حركة حماس انضمامهما إليها لصغر سنهما؛ ليقوما بأعمال مقاومة ويخطا شعارات موقعة بهذا الاسم، مما اضطر حماس إلى تشكيل مجموعة “أشبال حماس” لاحتواء صغار السن الذين حرصوا على المشاركة في فعاليات المقاومة.

حملتهما الطريق إلى الجامعة؛ كلٌ إلى حيث يقيم فؤاده، جبارة إلى نابلس، والكرمي إلى الخليل، فكان العمل الطلابي ميدانهما الأول؛ فنشطا في صفوف الكتلة الإسلامية.

الشغف إلى الشهادة الذي ملأ قلب جبارة دفع به في سنته الدراسية الرابعة للالتحاق في صفوف كتائب القسام، في الوقت الذي قاد فيه نشأت الكرمي مجلس اتحاد طلبة بوليتكنك فلسطين ببراعة.

وفي الوقت الذي التقمت فيه سجون الاحتلال الكرمي، كان جبارة على موعدٍ مع سجون السلطة، اعتقال كشفه للاحتلال وجعله مطلوبًا، عام ونصف تنقل فيها بين أريحا ورام الله حتى تمكن من الهرب مع الشهيد جميل جاد الله سيرًا على الأقدام باتجاه نابلس.

غدا جبارة مع قادة الكتائب السوركجي وحلاوة وأبو هنود والحنبلي ودروزة ومرشود وعباس السيد ومعمر شحروري وفواز بدران وقيس عدوان ونزيه أبو السباع وسائد عواد يقدمون الموت هدايا على درب التحرير، في حيفا ونتانيا وتل أبيب وكل مكانٍ وصلوا إليه، حتى اصطفى الله للشهادة رجالها منهم، واستمر جبارة يصنِّع أكفأ الأحزمة ويُعد للموت عدته.

أسد وادي الشعير؛ هكذا أُطلق عليه، أعدّ للموت نفسه وأقدم مبتدئًا عرس استشهاده مباغِتًا للقوات التي حاصرت حصنه غربي بلدته كفر اللبد في طولكرم، فقتَل عقيدًا وضابطًا وجنديًا، قبل أن يُقتل فيلقى الله شهيدًا، شاهدًا على نفسه أنه لم يأل جهدًا كي يواصل الدرب، ولتشهد عليه أرض أحبها رواها بعرق جهده ودمه، وأناس أحبوه كان لهم غيثًا حيثما حل وارتحل.

ليكمل الكرمي طريقه بعد ثلاثة اعتقالات، ويختار زوجة تمكِّن جذوره في الخليل، ولكن الحب الكامن في فؤاده للشهادة والوفاء النادر لانتماء تأصل في دمه؛ دفعه للعمل ردًا على استشهاد الشيخ أحمد ياسين.

تعرض لمحاولة اغتيال واعتقال لم يفتّا من عضده وعزمه، وبقيت هذه العزمات لا تعرف إلا نشأت ولا يعرفها غيره، مضى يبصر نهايته واثقًا بتوفيق الله، حريصًا على ألا يمكِّن العدو منه، لتكون سيل النار الفذة التي قُتل فيها أربعة مستوطنين، لتأتِ المطاردة ثم المواجهة؛ ليلقَ الله شهيدًا مع رفيقه مأمون النتشة، هنا على ثرى الخليل اختار نشأت البداية والنهاية.

وهكذا كلما أردنا انبعاثًا جديدًا؛ عبرنا الزمن إلى حيث اللحظات الأولى، الصرخة الأولى والبسمة الأخيرة، مائدة القرآن الأولى ومحطة السلاح الأخيرة، والاشتباك الأخير.

من هنا عبر رجلان، باعا نفسيهما لله، والله اشترى، والموعد الجنة، رجلان قدما نموذجًا في كل الميادين التي وهبهما الله السير فيها، فآثرا البذل على الراحة، واختارا كل شيء طمعًا بما عند الله، صدقا الله فصدقهما.

من جبارة إلى الكرمي؛ بقي السلاح ينتظر كتفًا يزينه، ويدًا دافئة تحنو عليه، وقلبًا مفعمًا بالتفاؤل، وعينين تبصرانِ النصر واقعًا.

نشأت الكرمي؛ 27/نيسان/1977م – 08/تشرين أول/2010م.
نشأت جبارة؛ 05/أيار/1977م – 26/أيلول/2002م.

إسراء خضر لافي
01/ذو الحجة/1435هـ
25/أيلول/2014م

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *