عام

شموس على الأكتاف لا نجوم!

Views: 2188

المقالة على مدونات الجزيرة

لا زال اعتقال النساء من قبل الاحتلال الصهيوني والاعتداء عليهن يمثل جريمة لا يغض الطرف عنها المجتمع الفلسطيني تحديدًا، وتأخذ أبعادًا كبيرة من حيث تقبل اعتقال المرأة أو رفضه ورفضها معًا، بين فريق يرفض التعاطي مع مسألة اعتقال المرأة مطلقًا أو فريق يتقبل لما يمكن أن نسميه تضحية النساء وثمنًا مدفوعًا لأسباب مختلفة؛ قدرًا واقع لا محالة أو ضريبة لعمل أو نشاط وطني أو نقابي أو سياسي تمارسه الفلسطينية ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا أو فريق يصمت على مضض محمِّلًا لها كل ما يمكن أن تتعرض له دون أن يُرجع الأمر لأصل المشكلات التي تعاني منها القضية الفلسطينية.

تتفاوت أسباب رفض قبول اعتقال المرأة لموروثات ثقافية منقولة من جيل إلى جيل حول ماهية الاعتداء عليها فترة الاعتقال، رغم أن المعتقلة لا تُمس جسديًا وحتى لو مست فليس ذنبها على الإطلاق، ثقافة تكثر في الأرياف وتمتد، وتضاعف من مصيبة اعتقال المرأة أضعافًا وكأنها أتت فرية، مما يزيد محنة الاعتقال على الأهل والأسيرة.

هذه النظرة ذاتها؛ يستخدمها الاحتلال كمدخل للتهديد والترهيب سواء في الاعتقال أو الاحتجاز أو الاستدعاء لمقابلة المخابرات؛ نظرة المجتمع، والنفور من الفتاة، ورفض الارتباط بها، وكثيرة هي المرويات التي تتحدث فيها طالبات جامعيات عن هذا النوع من التهديد، وما كان للاحتلال استخدام هذا المدخل إلا من ثقافة المجتمع الذي يسمح له بالتطاول والترهيب، ويكون معه عونًا يعمق مصاب الأسيرة أو المحررة ولا ينفك يجرحها كلما مر بخاطرها!

ورغم هذه الثقافة السلبية؛ كثرت الاعتقالات في صفوف النساء الفلسطينيات، بين طالبة مدرسة، وطالبة جامعية، وربة بيت، وصحفية، ونائب في التشريعي، وطبيبة، ولأسباب مختلفة، اعتقالات كشفت عن ثقافة جديدة بدأت تسري في عروق المجتمع، ترمم بعض جراح النساء، وترفع هاماتهن إلى السماء.

ففي سابقة هي الأولى من نوعها احتفل أهل رأس العمود في القدس المحتلة بالإفراج عن الصحفية سماح دويك في 19/09/2016 بعد اعتقال دام ستة أشهر بتهمة التحريض على فيسبوك، فرفعوها على أكتافهم، واستقبلوها بالهتاف والألعاب النارية، إعزازًا لها وتكريمًا، وجبرًا لما قد يُظن أن الاحتلال قد كسره باعتقاله لها.

تبع ذلك احتفال مهيب بالإفراج عن الأسيرة أميرة حميدات من صوريف شمالي الخليل جنوب فلسطين المحتلة في 03/11/2016؛ لترفع فوق الأكتاف، وتُستقبل بالزغاريد والهتافات والألعاب النارية والأهازيج، وحشد من الرجال والنساء والأطفال، في زفة تطوى على ألحانها أيام اعتقال استمرت عامًا بعد مداهمة كبيرة لمنزلها وتفتيش وتدمير.

ثم إلى رام الله توسط الضفة الغربية المحتلة إذ تجددت الاحتفالات في 11/11/2016 في استقبال الطالبة في جامعة بيرزيت رغد شوعاني، والتي اعتقلت بعد إطلاق النار عليها على حاجز قلنديا شمالي القدس المحتلة، استقبال لحظة الإفراج وموكب سيارات وصولًا إلى بيتها، ليكون العناق طيًا لصفحة أربعة شهور قضتها بين قيد الأسرى وقيد الجراح.

في ثقافة جديدة تعيد إعراب موقع المرأة الفلسطينية في فؤاد الرجل، وفي فكره، وفي مشاعره، بالاحترام والتقدير والاحتضان، إزالة لوهم الاغتراب الذي يفرضه المجتمع، ويضغط من خلاله الاحتلال، وإعلانًا بأن المرأة الفلسطينية لها مكانة تسمو فوق النجوم، وما الرفع فوق الأكتاف إلا تكريم وتشريف، وأنها لم تأتِ جريمةً ولا عارًا، وأنها صنو الرجل في النضال والبطولة، وصمام الأمان الذي لا يتحول إلى غيرها، فرغم التحول الإيجابي إلا أن الرواسب السلبية لا زالت موجودة، وبحاجة لمن يحاربها، وهذه الحالات الإيجابية يجب أن تكون القاعدة لا الاستثناء.

وبتكريم الرجل للمرأة، يضع حدًا لثقافة الخجل من اعتقال المرأة، ليس لأنه يحتفي باعتقالها؛ فلا يوجد حُر يفرح للاقتراب من عِرضه أو إهانته، ولكنه حين يُسلب القدرة على منع الأذى فليس أقل من أن يكون دواءً لجراحها، وبلسمًا لما قد يُظن أنه ينال من عزائم الرجال والنساء والمجتمع بأسره.

بهذا يفهم الرجل علاقته مع المرأة؛ أمًا فزوجة فابنة، فيرفعها فوق كتفه شمسَ عطاء تمنحه النور والدفء، وتبقى تُلهب فكره، وتُلهمه، ليبقى لها رجلًا بطلًا قادرًا معها على تجاوز المحن مهما اشتدت، فتسقط رُتب العساكر وتُرفع رُتب الرجال بالنساء.

 إسراء خضر لافي

4 ربيع أول 1438هـ

03 كانون أول 2016مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *