عام

آثار غياب تنظيم حركة حماس في الضفة الغربية

Views: 2072

تعيش الفصائل الفلسطينية حالة من الترهل والتراجع تمتد على طول الفترة الزمنية التي تمثل عمر التنظيمات، فكثير منها استوى على عوده منذ زمن بعيد، وكل منها عاش فترة أوج بحسب مناسبة أفكاره لزمانه، وتمر عليهم دورة الحياة من الصعود إلى الاستقرار إلى الهبوط، كما تختلف التجارب في شكلها من حيث النوع والاستيعاب والتمدد والقدرة على إدارة الموارد البشرية والمادية والفكرية.

لا يخفى دور التنظيمات عمومًا في جمع الطاقات البشرية وتوجيهها إلى غاياتها، إن كان في المقاومة أو السياسة أو التغيير الاجتماعي أو الإصلاح أو حتى في صراعات التدافع المحمومة سواء الرافضة لنشأة الآخر ومعارضته أو لطبيعة صراع الحضور الاجتماعي والسياسي قبل الصراع على الأفكار والمناهج، فالخوف من الاندثار مهماز مهم يدفع أطرافه للاستماتة في الدفاع عن أنفسهم، لكنها روح لا تحضر لدى الجميع في ظل اختلال القوى، والاستقواء بأطراف وجهات داعمة ولو بثوب أجهزة أمنية أو مباركات مؤسسات دولية.

حالة الغياب التنظيمي بدت أكثر وضوحًا بعد أحداث عام 2007، والتي سبقتها مرحلة محاولات التغييب والتحجيم بقرارات صهيونية منذ عام 1989، بدءًا بحظر حركة حماس وملاحقة قيادتها في حملات اعتقال واسعة، ثم عام 1992 بحظر الكتلة الإسلامية الذراع الطلابي لحركة حماس في الجامعات الفلسطينية وليس انتهاء بحظر الحركة الطلابية الإسلامية عمومًا في المدارس وملاحقة نشطائها عام 1998، كحاضنتين تمثلان البيئة المصدرة للشباب والعناوين التي يُناط بها القيام بما يخدم توسع التنظيم وانتشاره؛ إلا أنه بعد 2007 بدا دور السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية أكثر عنفًا ووضوحًا، كما أخذ صفة العموم فعمت الملاحقة كل المؤسسات الاجتماعية والإغاثية التي مارست من خلالها حركة حماس نشاطاتها الاجتماعية والثقافية، ليكون الاستهداف للفصائل التي لم تطوَ تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

وقبل الحديث عن أثر غياب تنظيم حركة حماس، لا بد من الإجابة على: ما الذي أضافته حركة حماس للمجتمع الفلسطيني؟

قد لا تكفي هذه العجالة للإجابة المفصلة، فقد مثلت حركة حماس حاضنة تربوية وفكرية وجهادية؛ فقد بثت الروح في المجتمع بما اشتملت عليه من جِدة وعزم، فالتنوع يثري المجتمعات، ويجعل باب المنافسة مفتوحًا بينها، فيمن يقدم أكثر، ومَن يلامس الحاجات بشكل أكبر، كما أن الاختلاف في الأفكار والمناهج أيضًا يترك للمجتمع الأبواب مفتوحة ليبحث ويختار لو تُرك له الخيار الحر دون تأثير عليه، وهذا يفيد النُخب الشابة التي تمتاز بالبحث عن حاجاتها وتلمسها بشكل حر، خارج عن القيود في كثير من الأحيان ودون وصاية، إضافة إلى أنه يختبر طبيعة العلاقات والصراعات القائمة في المجتمع لأنها تصبح على المِحك، وما قد تُرمى به حركة حماس؛ تجده بشكل أوضح لدى خصومها.

كما ساهمت في إذكاء روح المقاومة، وساهمت في احتضان الباذلين أرواحهم وبيوتهم ثمنًا للقتال، كما ساهمت في ترميم الآثار الناتجة عن فقد الأرواح والأموال، ومساهمتها الأكبر في صناعة الوعي الثوري أو المقاوِم، وفي توجيهه، وفي تقديم ما يلزمه من أدوات وخبرات وعلوم.

فما الذي أحدثه غياب تنظيم حماس ومحاولات إضعافه في الضفة الغربية؟

أولًا: على مستوى الأفراد؛ غياب التعبئة والتوجيه، وغياب المرجعيات التي تؤخذ منها المواقف الرسمية، وغياب القنوات التي تمر عبرها الانتقادات، والملاحظات، مما ينعكس على الفرد شعوريًا بالضياع، فهو إما يتخلى عن الفكرة، أو يرفع صوته من خلال وسائل التواصل بدلًا من النقد في الغرف المغلقة وهمسات الأصدقاء، ومع الوقت سواء لكثرة الاستهداف، أو للانغماس بالهموم الشخصية أكثر؛ يفقد الأفراد ارتباطهم العضوي مع التنظيم، بالتالي يفقد التنظيم كوادره المنضبطة بتوجهاته، ولا يُملأ هذا بالتحول إلى الفعل العام لأن حالة السيولة تصبح عالية ولا يمكن ضبطها كالسابق، مما يترك المجال للتحلل من الالتزام معه، فيما يجعل مهمة صناعة التيار أصعب، وهذا لا يعني استحالة القدرة على الحشد تحت اللافتات الكبرى.

ثانيًا: على مستوى المجتمع؛ غياب الحاضنة الموجِهة، وضعف الثقة بالتنظيم، والبحث المستمر عمن يملأ الفراغ الذي أحدثه غياب التنظيم من حيث مسؤولياته التي توكل بها فترة نشاطه، إلى جانب المشاكل التي تُحدثها الدعايات المضادة القائمة على شيطنة الحركة، بحيث تتزعزع ثقة الأفراد والمجتمع بهم وبجدوى حضورهم بينهم، هي حالة من النبذ والتخلي.

ثالثًا: على الأفراد والمجتمع معًا؛ حيث تتولد حالة فراغ، لا يُترك دون ملء، على مبدأ الإزاحة والإحلال أو الاستبدال، يواصل بعض الأفراد بحثهم عن عناوين جديدة قد لا تأخذ شكل التنظيم المقوَّض، ولكن تأخذ أشكالًا أكثر مناسبة لطبيعتهم، وأكثر تجنبًا للصدام مع النظام القائم في محاولة لإنجاح الجهد الجديد، في جزء منها ما قد يمثل امتدادًا أو إحياء لما صعُب استمراره على شكله القديم، وفي جزء منها ما يمثل حالة انسلاخ كاملة فيما يشبه حالة الفطام؛ إنهاء الصلة بالقديم سواء استعلاء أو رغبة في تجاوز الحقبة، لكن الأخطر هو محاولات تشكيل روابط تقوم على العصبية للعشيرة، لأنها تهدم التجمع على أساس الأفكار والمعتقدات وتعيد استحضار ما يعيد صراع القبيلة إلى الواجهة، ومن جهة أخرى هذا يعمِّق شرخ غياب المرجعيات أكثر؛ فإذا غاب التنظيم حلت الفوضى، ومنها: العصبيات بأنواعها؛ العشيرة، المهنة، المناطقية، وتبدت أمراض القلوب وكأنها لم ترتوِ من قبل من مَعين الدين.

رابعًا: على التنظيم نفسه؛ من حيث القدرة على الاتصال بالمرجعيات المختلفة في المستويات المتعددة على اختلاف مكان وجودها داخل وخارج البلاد أو في المعتقلات الصهيونية، بما يؤثر على سرعة اتخاذ القرارات، وعلى إحداث التغييرات المطلوبة، تأخير ينعكس على بدء أي دورة عمل جديدة، كما يُفقد القرارات شيئًا من التمثيل الكلي.

وفي ظل الحالة الفلسطينية ومرحلة الانتخابات المحلية يمكن أن نلمس جيدًا أثر غياب تنظيم حركة حماس في الضفة على تشكيل القوائم أو تحديد خيارات التصويت إلى جانب ظواهر أخرى ليس هذا مقام تفصيلها، كما يمكن أن نلمس بوضوح عودة العشائرية للواجهة ولكنها مفصلة بمقاس يدافع عن وجود النظام الحاكم ولا يرقى للوقوف في وجهه، وخاصة بعد قصقصة أجنحته، وإعادة بلورتها لتكون في صيغة مناسبة لتثبيت واقع يراد له أن يكون واقعًا جديدًا تنتهي معه الروح الثورية ولو لفترة مؤقتة.

10 شعبان 1438هـ

07 أيار 2017مـ

على مدونات الجزيرة

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *