عام

كتاب: العملاء والجواسيس “الفلسطينيين”

Views: 1157

قراءة في كتاب:

العملاء والجواسيس “الفلسطينيين”[1] : عين إسرائيل الثالثة

المؤلف: أحمد البيتاوي – نابلس

عدد الصفحات: 192 صفحة

الطبعة الأولى 2016م – 1437هـ

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت

تناول الكاتب قضية العملاء في المجتمع الفلسطيني في دراسة حديثة حاز على إثرها على درجة الماجستير من جامعة النجاح الوطنية بنابلس، قدم فيها عرضًا لأهم الكتب السابقة التي تناولت القضية، واستشهد بعشرات الشهادات على ألسنة العملاء أنفسهم.

قدم في الكتاب لمحة تاريخية عن الجاسوسية ومفهومها، ثم انتقل في الفصل الثاني لبحث أسباب ودوافع التخابر لصالح الاحتلال الإسرائيلي في محاولة منه لوزن العوامل وتحديد العامل الأساس والمدخل الذي يأتي منه الاحتلال في تجنيد الجواسيس، بينما في الفصل الثالث تناول المهام المتعددة التي ينفذها الجواسيس ومراتبهم، وأعدادهم، وفي الفصل الأخير قابل بين كيف تعامل الفلسطينيون مع الجواسيس، وكيف تعامل الإسرائيليون معهم.

في هذه القراءة سأعرض لأهم الأفكار التي قدمها الكاتب، وألخص بعضها الآخر، كما سأعرض للتساؤلات التي تثيرها الدراسة، في محاولة لفهم أوسع بالحوار والنقاش المفتوح على هامش القراءة.

بداية فرَّق الكاتب بين مصطلحات (جاسوس، عميل، متعاون) وظيفيًا من حيث شكل الخدمة، وموقع الشخص في حياته، واعتبرها تندرج جميعًا تحت ذات الهدف والغاية؛ خدمة الاحتلال وبث الفتن وإضعاف الجبهة الداخلية.

المفردات: عميل، متعاون، مخبر، تأخذ أشكالًا تعريفية واضحة، فالعميل يمكن أن يكون زبونًا، في شركة أو بنك ويُطلق عليه ذات اللفظ، واعتادت الناس على استخدام لفظ العميل لمن يقدم خدمات للاحتلال، بينما المتعاون والمخبر هي ألفاظ مخففة، يستخدمها الاحتلال ومن يسهل مهام الاحتلال، وفي باب إقناع الشخص بالعمل معهم يستخدمونها ككلمات ذات أثر بسيط على النفس، ويدخل معها كلمة: مندوب.

الجاسوس يبحث عن الأخبار، ويفتش عنها، سواء كان لقبيلة أو لاحتلال، الفعل واحد والقصد الإضرار، وإن قلنا أن لفظ العميل فيه معنى الاسترزاق، وألفاظ متعاون ومخبر ومندوب لا تعبر عن حجم سوء الفعل، فإن الجاسوس هي اللفظ الدقيق، ولا يصح في حالتنا استخدام أي لفظ غير دقيق، اللفظ البشع يحافظ على بشاعة الفعل في التصور الوجداني والثقافي، وفي حالة التعاطي مع القضية، ولكن الألفاظ المخففة تجعل قبول الآخر ممكنًا حتى لو كان عدوًا!

في الفصل الثاني عرض الكاتب لأهمية الجاسوس من وجهة نظر رجال المخابرات الإسرائيليين، وتفوق العنصر البشري على كل الإمكانيات المادية مهما تقدمت وذلك لأنها تتسم بدقة تصل إلى 100%، وتكشف طريقة تفكير المستهدف، والخطط التي يضعها، وهذه تفاصيل لا توفرها كاميرا المراقبة مثلًا، وحتى يستمر تجنيد الجواسيس فإن الاحتلال يخصص موازنات ضخمة لذلك، ومؤخرًا بدأ يقتطع من أموال السلطة لدفع تعويضات لمن يدّعي تعرضهم للتعذيب في سجون السلطة بتهمة العمالة.

يعتمد الاحتلال على معرفة وتحديد نقاط ضعف المستهدف، ليتم استغلالها وصولًا للتجنيد الذي عرفه الكاتب بأنه (استهداف واستقطاب وإخضاع شخص ما، والسيطرة عليه إما بالإكراه أو بالإقناع أو مقابل مكافأة لتكييفه وإلزامه بتنفيذ المهام المطلوبة منه)، والتجنيد يمر بأربعة مراحل: فرز واختيار، تنمية وتدريب، تشغيل، كسب للولاء.

وتقوم بذلك وحدات خاصة منه الوحدة 504، والتي تعتمد على تحديد طبيعة المهام والمعلومات المطلوبة قبل اختيار الشخوص المناسبين لإتمام الأهداف المحددة، وذلك بعد تحديد جوانب الضعف أهي إنسانية أم جنسية.

أما وسائل التجنيد فهي إما بالإغراء أو الابتزاز أو الإقناع وهي الوسيلة التي تحول الجاسوس إلى مدافِع عن الاحتلال!

وعن كيفية تواصل المخابرات الإسرائيلية مع من تم تجنيدهم، فإما بطريق مباشرة في مستوطنة قريبة أو معسكر أو منزل الجاسوس نفسه أو على حاجز أو في السجون أو في مناطق حدودية أو في الخارج وقد تكون دول بعيدة، أو بطريقة غير مباشرة من خلال وسيط قد يكون الهاتف أو شبكة الإنترنت أو أقمار صناعية أو نقاط ميتة أو من خلال جاسوس آخر.

أما أسباب الوقوع في الجاسوسية فقد عرض الكاتب لاثني عشر سببًا، تتوزع على ثلاثة عوامل رئيسة: عوامل استعدادية كامِنة، وعوامل مهِيئة معزِزة، وعوامل ضاغطة مُعجِّلة، وقد أوجز في عبارتين مباديء عامة، الأولى: (كلما قوي الوازع الديني ضعفت إمكانية الوقوع في العمالة)، أما الثانية: (كلما زادت فرص الاحتكاك والتواصل بين المواطن الفلسطيني والاحتلال، زادت فرصة جعله شخصًا مستهدفًا للتجنيد).

ثم يناقش الكاتب في الفصل الثالث المهام التي يؤديها الجاسوس والتي في كثير من الأحيان تكون مهامًا مزدوجة ولا تقف عند نقل المعلومة، بل تصل إلى مباشرة القتل والانخراط العملي في أعمال الجيش من مداهمات واعتقالات واغتيالات أو تسهيل اغتيال، ومنع وقوع عملية، يوازي ذلك في خطورته أن يكون من مهام الجواسيس العمل على إسقاط وتحييد أكبر قدر ممكن من الناس.

وقد تناول الكاتب فكرة مراتب الجواسيس، ودعا إلى عدم مساواة الجاسوس القديم بمن لم يمض على عمالته وقت قصير أو من لم يتسبب بالقتل، إلا أني أرى خطورة فكرة الكاتب تكمن في أنها تشرع لمن لم يتسبب بالقتل الاستمرار في جاسوسيته، فالعقوبة غير موجودة، والمجتمع لا ينبذه ولا يشعر به، ولا يُطلق عليه بأنه جاسوس، فما المانع من الاستمرار؟ كلهم جواسيس قتلوا أو لم يفعلوا ما داموا لم ينالوا عقوبة مستحقة، تجريم الفعل مهم لتأسيس وعي جمعي ينبذ الجاسوسية صغُرت الكلمة المنقولة أو كبرت.

 وعزز الكاتب فكرته في تصنيف الجواسيس لثلاث فئات من حيث صحوة الضمير؛ فمنهم من ماتت ضمائرهم، ومنهم من لم يقتل، ومنهم من قام بمهمة أو اثنتين “تافهتين” بحسب وصفه، فيما يصنفهم الاحتلال وفقًا لخدماتهم وحجمها إلى جاسوس كبير وجاسوس كامن وهو رجل المهمات الخاصة أو الصعبة وجاسوس صغير.

يذكر الكاتب أن الاحتلال يستغل فترات الهدوء لإسقاط أكبر عدد ممكن كالفترة 1994 – 1999 حيث نشط الجواسيس الكامنون خلال انتفاضة الأقصى، أي أنه يصنع بنكًا من الجواسيس لحين الحاجة.

أما أعداد الجواسيس فهي متضاربة ولكنهم بالآلاف، هناك من يقلل العدد وهناك من يزيده؛ إلا أن الاحتلال يزعم أنه يعرف كل كيلو متر في الضفة الغربية بفضل الجواسيس.

وفي الفصل الأخير أوضح الكاتب أشكال تعامل الفلسطينيين والإسرائيليين مع الجواسيس، أما فلسطينيًا فتعددت أشكال التعامل بين الأذى الجسدي والتشهير الإعلامي إلى فتح باب التوبة والاعتذار العلني ودفع الديات عمن قتلوا خطأ، وصولًا إلى تنفيذ الجاسوس لعملية ضد مشغله الإسرائيلي.

أما إسرائيليًا في مرحلة ما قبل انكشاف الجاسوس يساهمون في تلميعه، من خلال اعتقاله أو مداهمة بيته أو جعله مطاردًا لهم أو السماح له بتنفيذ عمل بطولي أو الحديث عن المقاومة والتطرف ضد الاحتلال، ولكن في مرحلة ما بعد انكشاف الجاسوس يأتي التعامل وفقًا لأهميته فمنهم من يهملونه ليتخلصوا منه، ويمنحون آخرين هويات زرقاء أو يحاولون توطينهم في الأراضي المحتلة.

يبقى الجاسوس آلة ليست ذات قيمة إلا بقدر ما تنتجه وإن انتهت مهمتها انتهى وجودها بالنسبة لمشغلها، ما قيمة الإنسان الذي رضي بيع نفسه في سوق نخاسة الجواسيس؟ ما قيمة الذي ينقل ولو معلومة تافهة عن طبخة الجيران ومواعيد نومهم واستيقاظهم؟ المندوب الصغير اليوم مشروع جاسوس كبير غدًا، ومن يستسهل الصغيرة تسهل عليه الكبيرة، والجاسوس هو الجاسوس، لا كرامة لمن يبيع أهله ووطنه ولو لم يقتل.

 

 

[1] الصواب: الفلسطينيون

 

20 جمادى أولى 1439هـ

06 شباط 2018مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *