عام

سوسن وهنادي ورهام .. على ناصية الذكرى

Views: 2704

تصغر الحياة بقدر ما تتسع آمادها حين نقف على ناصية الذكريات، نودِّع ما تفرق شمله فيها، ثم يعيد الدمع نظمه، فيبني الصورة من جديد، أنقى، وأجمل، فنحن ما نسينا لنتذكر، ولسنا أسرى الذكريات حقًا، ولكننا أسرى الأثر المحفور فينا، الذي نقشه الموت، ليخلد، لا ليندثر مع الأفول، فتولى مهمة التنبيه كلما شدنا تيار المادة لنتذكر أن كل إنسان سيمضي إلى فناء، إلا مَن امتلكوا زمام الحياة؛ بل زِمام القلوب!

ولدت سوسن الجعبة عام 1988 في الخليل، فيما ولدت هنادي المذبوح عام 1978 في نابلس، وولدت رهام دوابشة عام 1988 في نابلس أيضًا، ثلاثتهن تميزن بالدين والعلم والأدب، واخترن الرياضيات تخصصًا علميًا، أضاف إلى تلك الرقة، دقة وانضباطًا وإحسانًا.

وفيما تميزت سوسن بتفوقها المستمر حتى انقضى أجلها أثناء دراستها الجامعية، فقد أحسنت هنادي كمعلمة رائدة في كل مكان ارتادته، وعلى خطاها كانت رهام معلمة ودودة، حسنة المعشر، مشكاة واحدة سقت قلوب الثلاثة، وإن كان في العمر زيادة لهنادي ورهام؛ فهي زيادة خير وإثمار، تنعكس فيها سيرة سوسن، والعكس كذلك.

نشطن في صفوف الكتلة الإسلامية، عاملات صادقات، حتى قادت سوسن وهنادي صفوف الطالبات، في أعلى هرم العطاء، لم يثنهن العلم عن البذل، ولم تقعد بهن هممهن رغم اشتداد المحن، فحملن هذا الصفاء عبير أترج ينثرنه حيثما حللن.

في ذكرى هنادي؛ يُذكر وفاء الزوج، الذي كتب لها وعنها في كتاب “شهيدة الفجر” راويًا حكاية حب، وفخر، في نصوص قل نظيرها، جامعًا كل ما كُتب لها ولأجلها، من الأهل والأصدقاء والتلميذات اللاتي تأثرن بها حية وميتة، في رحلة حياة تنقلك إلى تفاصيلها، إلى حيث كانت، ومضت.

ليس رواية خيالية، لكنها حكاية جمعت قلبين على الله، تعلِّم جيلًا من بعدهم كيف يكون الحب والوفاء روحًا لا تستقيم الحياة ولا تتزن إلا بهما، وبطريقة خاصة، مجردة من الأهواء والمادة، يتقلبون فيها بين الشدة والرخاء، يدثرهم دفء صدق البدايات، فمَن قال أن زمن الحب انقضى، وأن الكمال في حياة البشر غير وارد؛ عليه أن يتوقف مليًا، أو ليقرأ الكتاب، ونعم صحيح، الكمال غير وارد؛ فإن ظروف الحياة تنغص على القلب لحظات روائه، ولكنه أبدًا لا يسلب ما استقر في الفؤاد، في العُمق، فيما توارى، فيما بات شيئًا من أنفاسهم.

في ذكرى هنادي؛ وعلى عتبات ذكرى استشهاد رهام التي استشهد زوجها في ذكرى زواجهما، فيما أسلمت الروح في ذكرى ميلادها السابعة والعشرين، هي رسالة البحث عن السر في مسيرتهن، رسالة الاقتداء، كي لا تكون حياتك فناءً، وضربًا من العبث.

فهذه الأقدار تجري لحكمة يُصنع بها أقدار آخرين وأخريات، يبلغ بهم الأثر مداه، فيحسن فيما بقي من عمره، ويجدد عهودًا أُخر، ويرفع من مقام الذين يبذلون في المحراب ما يبذلونه أمام الناس وزيادة، فيزرعون في مزرعة الدنيا، كما يزرعون لأخراهم، ليس عبثًا مرورهم على حياتنا أو مرورنا بهم، في رحلة بحثنا الدائب عنا فيما تناثر حولنا، في مآثر الغائبين والغائبات.

اليوم وفي كل عام، في كل ذكرى، نبكيهم، ليس لطول مسافة الوصول؛ بل لأننا ندرك أن قلوبًا حولهن، لم تبرأ جراحها، وأننا لا نملك مهما كتبنا أن نُلم بكل ما في الروح من كلمات، وعِظات على ناصية عمر متكوِّم فارغ إلا من الذكريات، وبعض الأمل والطموحات.

إلى أرواحهن ألف سلام.

سوسن الجعبة  12/11/1988 – 25/02/2009

هنادي المذبوح 30/10/1978 – 23/08/2009

رهام دوابشة   06/09/1988 – 07/09/2015

 

01 ذو الحجة 1438هـ

23 آب 2017مـ

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *