عام

محاولات تدجين حماس، هل تنجح؟

Views: 2660

لعل أكثر خطوة ندم عليها الاحتلال هي الانسحاب أحادي الجانب من غزة عام 2005م، إذ تلا ذلك تضاعف قوة حماس بينما لم تكن السلطة مؤهلة لاحتوائها كما كان يأمل شارون.

 ولم يكن الحصار كافيًا لخنق غزة وتركيع حماس، بل ارتأى الاحتلال وجهات إقليمية ودولية حليفة له العمل على إضعاف مثلث الانحياز للقضية الفلسطينية الداعم لغزة ولنتائج الصندوق التي وصلت بحماس إلى سدة الحكم المنقوص عام 2006. 

المثلث الذي تمثله قطر وتركيا ومصر بعد الإطاحة بمبارك، لم يكن ليُكسر بحرب ثلاثية بل بالاستفراد بكل دولة وإضعافها حتى لا تتحول إلى دولة عظمى تخدم غزة وحكم حماس، مهددًا الوجود الصهيوني في المنطقة، وخاصة مع ما أظهرته فصائل المقاومة من استعداد في حرب غزة 2012 إثر اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لمحمد الجعبري القائد العام لكتائب القسام، ومع تصاعد القوى الإسلامية إثر اندلاع الثورات العربية.

بدأت إعادة تأهيل المنطقة إقليميًا بترتيب الانقلاب المضاد في مصر في حزيران 2013، ونُفذ في الثالث من تموز في نفس العام بخطف الرئيس وإعلان عزله، وإعلان بيان الجيش، الذي قوبل بنزول الشعب للشارع، واعتصام رابعة الذي فُض بالقتل في14/08/2013، واستمد الانقلاب بإعلامه نفسًا قويًا من خلال الدعم الأمريكي والتأييد الخفي لبعض الدول، والذي اعتبر في حينه دعمًا من أجل الأمن القومي، وهو في حقيقته من أجل الاحتلال الإسرائيلي.

في العاميين التاليين 2014 و2015 شُغل الاحتلال الإسرائيلي بمجابهة مقاومة الشعب الفلسطيني التي اشتدت فيهما، وأزعم هنا أنها ملكت تأخير بعض الأحداث السياسية في المنطقة، أي منذ عملية خطف المستوطنين، وأحداث القدس، وحرب غزة في 2014، وصولًا إلى حرق عائلة الدوابشة، حتى انفجار انتفاضة القدس في 2015، شُغل الاحتلال بمحاصرة كرة اللهب، حتى بدا له ولأمريكا وللاتحاد الأوروبي وبعض المخربين الحلفاء في المنطقة العربية أن الفرصة مواتية لاستئناف مشروع إنهاء القلق الكامن في غزة.

فجاءت محاولة الانقلاب في تركيا في 15/07/2016 والذي أُفشل في ساعاته الأولى، ورغم تأخر التعليق البريطاني والأمريكي على الحدث إلا أنه لا يُقرأ إلا في سياق الميل حيث تميل الريح لو كانت مواتية، ولا زالت تعالج آثاره إلى اليوم.

أما الخطوة الثالثة فكانت في 05/06/2017 بمحاصرة قطر ومحاولة عزلها، لعلاقتها بحركة حماس، ولإسكات قناة الجزيرة، وهي الفترة التي كشفت النقاب عن الوجه الآخر للسعودية الجديدة، وعلاقة دولة الإمارات بأحداث المنطقة برمتها.

كان الهدف إضعاف علاقات حركة حماس بالداعمين وفرض عقوبات على كل من يخالف السياسة الدولية المنشودة للمنطقة، ومع فقد الحلفاء فإن مزيدًا من الضغط سيسهل استسلام حماس في غزة دون اللجوء إلى العنف على الأقل حاليًا.

ولكن حتى يحصل ذلك ولا تجد حماس في وجهها إلا التوجه لأهون الشرور كان لا بد أيضًا من حملة عقوبات تستهدف من هم تحت حكمها في القطاع كوسيلة ضاغطة؛ وبأمر من محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وحركة فتح نُفذت عدة إجراءات عقابية ابتداء من شهر شباط 2017.

في 04/02/2017 الاتحاد الأوروبي يستجيب لضغوط إسرائيلية بعدم دفع رواتب الموظفين في قطاع غزة، كما شهد شهر شباط تقليصًا للتحويلات الطبية من قطاع غزة بتوجيه من رام الله والذي اشتد بعد شهر نيسان (أبريل)، أما في 28/04/2017 فتمت المصادقة على قرار إحالة العسكريين للتقاعد خاصة في غزة.

أما في 04/06/2017 فقد تم قطع رواتب عشرات الأسرى المحررين من حركة حماس وخاصة الذي حرروا في صفقة وفاء الأحرار (شاليط 2011)، بحسب ما صرح به قراقع، الأمر الذي قوبل باعتصام مفتوح للمحررين في 06/06/2017 في رام الله.

إلى هنا لم تكن حماس بعد التقت بمحمد دحلان القيادي المفصول من حركة فتح، ولكن وفدًا للحركة من غزة كان قد وصل القاهرة في الرابع من حزيران بقيادة السنوار، ثم التقوا بدحلان في القاهرة في 12/06/2017، وبدأ الحديث عن تقارب بين حماس ودحلان.

وفي خطوات تصعيدية شهد شهر تموز من العام الجاري؛ إحالة 6145 موظفًا في غزة إلى التقاعد المبكر وذلك في 04 تموز، ثم تفاقم أزمة الكهرباء في 09 تموز بوقف رام الله تحويلات شراء الوقود المصري، وفي نفس اليوم وقف رواتب 37 نائبًا من حركة حماس مع توعد صريح من محمود عباس بفرض عقوبات مالية، وبدء الإضراب عن الطعام للمحررين المقطوعة رواتبهم المعتصمين في رام الله 29/07/2017.

في 01/08/2017 زار وفد من حركة حماس في الضفة الغربية محمود عباس بدعوى الاطمئنان على صحته، وهي زيارة تخللها الحديث في عدة ملفات، قدم فيها عباس شروطه لإنهاء الانقسام ومنها حل اللجنة الإدارية في غزة، وتمكين حكومة الوفاق من عملها في غزة، وقطع العلاقات مع دحلان، والذهاب لانتخابات عامة، وأيضًا انتشر حديث عن قرب انتهاء أزمة قطع رواتب الأسرى المحررين.

ثم زار وفد من نواب حركة حماس رامي الحمد الله في 14/08/2017 والذي كرر بدوره شروط محمود عباس لإنهاء الانقسام، وهو ذات اليوم الذي حُلت فيه أزمة الرواتب للمحررين.

وفي تصريح على أمد في 26/08/2017 نُسب لناصر الدين الشاعر أفاد فيه بأن توجه حركة حماس إلى دحلان مؤقت، وأنهم سيختارون محمود عباس، وقد أعلنت حركة حماس استعدادها لإبرام اتفاق في 11/09/2017، ثم أعلنت حل اللجنة الإدارية في غزة في 17/09/2017، واستقبلت حكومة الوفاق في 02/10/2017.

سواء استجابت حماس لضغوط محمود عباس والتغيرات في المنطقة المحيطة أو رغبت فعلًا في التخلص من أعباء الحكومة، واختارت إراحة الشعب من الحصار وأثقاله، فإنها امتلكت زمام المبادرة مرة أخرى، وللمرة الثانية تمارس إلقاء الكرة في ملعب حركة فتح، فالأولى كانت عندما أعلنت خوضها انتخابات البلدية منتصف العام الماضي، لكن الفارق هذه المرة أن حركة فتح مدفوعة من أطراف أخرى التقطت الفرصة، ولم تنشغل بمحاولات التغرير والتهديد.

وسيبقى هناك هامش مرتبط بموضوع المقاومة، ومَن سيضع العصي في الدواليب أولًا، ومتى سيكون ذلك، ولكن الأكيد أن حركة حماس وكثيرين من أبناء هذا الشعب في كل أماكن وجوده لن يتخلوا عن المقاومة، ورغم محاولات إضعاف بعض الدول المنحازة للقضية الفلسطينية فإن جولة الانقلابات ستنتهي، وكما فشلوا في محاولة احتواء حماس في انتخابات المجلس التشريعي في 2006، سيفشلون هذه المرة، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

16 محرم 1439هـ

06 تشرين أول 2017مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *