عام

أزمة المرور: إهمال المسؤول وغياب الحلول

Views: 752

بات التنقل بين مدن الضفة الغربية رحلة عذاب أقل ثمن يُدفع الجهد وتكلفة المواصلات، ولكن الثمن الكبير يكمن في عدد الساعات المهدرة في الأزمات وعملية التنقل، فمن يصدق أن الطريق إلى نابلس قد تستغرق 8 ساعات ذهابًا وإيابًا أو أن الطريق بين رام الله والخليل قد تستغرق 3 ساعات أو أن الطريق بين قرية مثل صوريف والخليل قد تستغرق ساعة أو أكثر بفعل الأزمة على مدخل المدينة، هذا دون الحديث عن فترات انتظار توفر سيارة أجرة أو انتظار ملئها بالركاب!

إن كان تنقلك في وسط النهار فأنت ستتعرض للسير وراء شاحنة في طريق لا يجوز لك فيه التجاوز أو قد تعترضك أزمة أشغال طريق أو حادث يتوقف بفعله السير ساعات طويلة، وهي احتمالات لا تنتهي يحرص معها الإنسان على تلافيها.

خلال جولات متفرقة بين عدة مدن لا تكاد تجد واحدة لا تعاني من عنق الزجاجة، والمدن وحيدة المداخل أزمتها أكبر، وإذا أضفنا إليها حواجز الاحتلال الدائمة وضيق الشارع فمن كل بد ستجد نفسك محاصرًا بالأزمة.

إلا أن المشكلة الحقيقية عدم وجود طرق بديلة، فلا أنفاق، ولا جسور، ولا مداخل متعددة، الخليل كبرى المحافظات لها مدخل شمالي واحد لكل القادمين من شمال البلاد، ومن خط القرى الشمالي والشرقي، وبقية المداخل الكثيرة المحيطة بالمدينة إما مغلقة وإما لا يستمر فتحها طويلًا وإما غير معبدة، وفي أيام كالسبت والخميس أو أوقات الضغط اليومية كفترة مغادرة المدارس أو انتهاء الدوام الحكومي؛ فستجد نفسك محاصرًا بالأزمة.

ولا تخلو مدينة في الضفة من هذه الحالة إثر تحكم الاحتلال بمداخلها، وحجم الاستيطان المحيط بها الذي يحد من إمكانية التوسع ويفرض وجودًا أمنيًا دائمًا أو وقتيًا.

أما الأزمات الأخرى المتعلقة بركون السيارات، والعوائق على الأرصفة، وطريقة القيادة في الشوارع الداخلية، فجزء منها يخضع لتنظيم البلدية، وجزء آخر لذائقة المواطن وفهمه، وفي بلد تسودها فكرة: “الأولوية للأتيس” كما قال أحدهم؛ والبعض يسميها “فهلوة”، الشارع يفرض أحيانًا سلوكًا معينًا تعبيرًا عن سخط وليس لأن المواطن سيء.

إذن .. على مَن نلقي باللوم في الوقت المهدر يوميًا في أزمات المرور؟ المسؤول أم المواطن؟

لطالما تساءلت ما جدوى التخطيط وأقسام التخطيط، ودراسة تخطيط المدن، ومهندسي المدني والإنشاءات الذين ملؤوا السوق بدون وجود تأثير حقيقي ينعكس على إصلاح الخلل، وحل أزمات المرور بطرق خلاقة ليس بتنظيم الأرصفة فقط.

فالمسؤول تُفتح له الطريق وتُذلل له أوقات الانتظار فيما هو لا يجيد إلا الصعود على عرق وأوقات المواطن، بينما يجد المواطن نفسه في مواجهة كل شيء؛ الأزمة ليقع فيها، والقانون ليخالفه.

ولست هنا لأقف مع أحدهما، فقد ينجح المسؤول في تغيير الواقع إن تعاون معه المواطن، وإن انتبه هو ابتداء في جعل المواطن مساهِمًا في عملية التغيير، ولتحقيق ذلك يبتدأ من المسؤول الذي عليه أن يجمع المهندسين وذوي الاختصاص لتباحث المشكلة ثم الخروج بحلول استراتيجية وليس وقتية، حتى لا نبقى نرصف الشارع اليوم ونحفره غدًا.

ثم تأتي مسألة الثقافة، احترام الأولوية والقانون، واحترام حق كل شخص في سهولة الحركة، وهذه لا تأتي دون الحل الاستراتيجي ثم القانون الذي يجعل الناس سواسية، ويكون عونًا لهم لحياة أفضل، لا سيفًا همه جباية المخالفات، وتضييق قلوب العباد.

وليس أخيرًا .. الجامعات التي تقدم مشاريع تخرج نظرية كل يوم، دون أن تجعل من مشاكل المجتمع البيئة الأساسية لدراسة الحلول الخلّاقة، والتي تمنح المجتمع فرصة لتطوع أبنائه الشباب في صناعة الحل من خلال دراستهم، وتختبر جدية المسؤول في موقعه واستحقاقه له.

في الوقت الذي يسعى الاحتلال كل يوم لفتح طرق جديدة، ومصادرة الأراضي اللازمة لذلك، من أجل راحة المستوطنين وتشجعيهم على الحياة في مستوطنات الضفة الغربية؛ فإن أزمات المرور تتكدس على مداخل المدن وداخلها، وداخل القرى أيضًا دون حلول جادة وحقيقية تتلمس راحة المواطن وأمانه.

23 رجب 1439هـ

10 نيسان 2018مـ

نشر على إشراقات

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *