عام

مرفق للكتاب الأول – أنماط الناس

Views: 1036

أنماط الناس ثلاثة :

النمط الأول:

نمط يهتم بصفاء روحه ونقاء نفسه، ومستوى تعبده –على مقدار خبرته- جيد، ولديه طيبة، تتصل في بعض الأحيان بطرق من الغفلة التي تصل إلى حدّ السذاجة. وكثير من هؤلاء –إن لم نقل أكثرهم- يأخذون عن عابد او جماعة تقاليد وطرقًا في التعبد، ويحفظون عن ظهر قلب مقولات، يسيرون في ظلال دلالاتها وكأنهم مفردات دستور، لا يمكن إدخال أي تعديل على أية مادة من مواده. ومشكلتهم أنهم كثيرًا ما يفقدون التوازن، ونصاب الحد الادنى من التوزيع لاهتماماتهم وأنشطتهم. وينظرون غلى الاقوال المأثورة عن شيوخهم وأسلافهم على أنها أدوات لفهم كل الأوضاع والتعامل معه تحديات كل العصور!

ويميل هذا النمط من عباد الله إلى العزلة الشعورية، ويجدون حالات عظيمة من انشراح الصدر وبرد اليقين، ويملكون طاقة هائلة على البذل والإصرار على الدعوة إلى ما يشعرون أنهم ظفروا له. وتتسم معاملاتهم بالنعومة واللطف، ويميلون إلى حسن الظن. رؤيتهم للواقع عميقة، ونظرتهم للمستقبل قاصرة ومشوشة. وبينهم وبين التحليل والتفلسف ما يشبه العداوة، لكن لديهم روح متفائلة؛ وكثيرًا ما تكون تطلعاتهم محدودة. والتدقيق في صفاء العقيدة وصحة التصورات، لا يشكل لديهم هاجسًا. ومعظم هؤلاء عاديون في أعمالهم وإنجازاتهم؛ والناجحون فيهم قليلون كما أن المخفقين منهم ليسوا كثيرين.

النمط الثاني:

هذا النمط يحرص حرصًا شديدًا على استقامة تفكيره، ويكثر من النقاش حول ما يعتقد أنه يشكل انحرافًا عن المنهج القويم. يتحدثون باستمرار عن المهم والمهم جدًا، والخطِر والخطِر جدًا، ويغرقون في تناول التفاصيل المتعلقة بالأمة وبالشأن العام. كثيرون من هؤلاء فتحوا على أنفسهم بابًا عريضًا من ممارسة النقد، إنهم يتحدثون باستمرار عن المصائب والويلات التي حلت بالأمة، ويكثرون من المقارنة بين ما لدينا وما لدى الآخرين، وتكون النتيجة في الغالب لصالح الأمم الأخرى، ولا سيما الغريبة منها، وكثير من أفراد هذا النمط ناجحون في اعمالهم على نحو مقبول، وهذا يشجعهم على أن يقترحوا على غيرهم المشروعات، ويدلوهم على طرق للارتقاء وآليات للتقدم.

يشغلهم المستقبل عن كل شيء وطموحاتهم كبيرة، وأحلامهم عريضة. من أكبر همومهم فهم الامور التي تجعل الناس يعيشون حياتهم وفق تعليمات دينهم.

لكن هذا النمط كثيرًا ما يشكو من برودة الروح وخمود الانفعالات. وهو مع حرصه على استبانة الوجهة وتحديد المسار، إلا أنه لا يهتم كثيرًا بتوليد (الطاقة) المطلوبة للمضي بهمة وعزيمة إلى آخر الطريقة. عباداتهم كثيرًا ما تكون عند الحد الأدنى وبعدهم عن الشبه ليس بالكبير. وكثيرًا ما يعانون من تمزقات داخلية بسبب المسافة الكبيرة التي تفصل بين وعيهم ودرجة تألق إيمانهم.

هذا النمطان رئيسان في الجماهير الملتزمة. وهناك أنماط فرعية تتشعب من كل واحد منهما.

النمط الثالث : النمط العزيز:

هذا النمط جمع ثلاث صفات أساسية، هي:

الوعي العميق.

الإيمان الراسخ.

النجاح الباهر.

يمتاز هذا النمط بالأصالة الخلقية، حيث السجايا الحميدة عميقة الجذور في النفس، وتجسدها في السلوك يتم بطريقة عفوية ومستمرة. وهو مكين التدين، والإيمان لديه يتجاوز صفاء المعتقد إلى الحيوية والتألق.

إن أفراد هذا النمط يعملون وفق: “ربي، وعبدك”، إن الواحد منهم في نهاره يراقب الله في عمله وجميع أنشطته: هذا العمل يرضي ربي. وهذا العمل يقربني من ربي. هذا العمل لا يرضى عنه ربي. إن صلته بالله تعالى توجه حركته، وتصوغ مواقفه وعلاقاته. ومن تلك الصلة القدسية يستمد الطاقة على العمل وعلى الصمود في وجه المغريات. أما في ليله فكثيرًا ما يردد: “عبدك بحاجة إليك، عبدك راجٍ فضلك، عبدك خائف منك، عبدك عبدك …”.

رسالة هذا النمط في الحياة واضحة، إنها العيش للإسلام وبالإسلام. مَن ينتسب إلى هذا النمط يعتقد أن لكل امرء دينيْن: دين معلن ظاهر يمنحه نوعًا من التمييز والانتماء الشكلي، ودين حقيقي. ودين المرء الحقيقي هو الدين الذي يكرس حياته من أجله. يقرأ هذا النمط الماضي لإصلاح الحاضر، ويتخذ من معطيات الحاضر وقودًا لبلوغ الأهداف العظمى. التفكير لديه استراتيجي، والرؤية واضحة. وهو مع ميله للإيجابية وتشبعه بروح الرجاء يدرك أعباء المرحلة، ويعرف العلامات الدالة على الطرق المسدودة. يجدد معرفته ومفاهيمه، ويتهم نفسه، ويمتلك القدرة على السماع والاقتباس.

هذا النمط ناجح في عمله، متفوق في أدائه، يقدم القدوة والنموذج في الكثير من جوانب شخصياته وسلوكاته. إن لديه إدراكا عميقا، بالحاجة إلى تحقيق النجاح الباهر؛ حيث مضى زمان الأشياء العادية، وحيث تتطلب الديون المتأخرة على الامة مضاعفة الإنتاج وبذل المزيد من الجهد.

هذا النمط جمع –باختصار- بين القوة والأمانة، كما قالت ابنة شعيب: “يا أبتِ استأجره إنَّ خير مَن استأجرت القوي الأمين” [ القصص:26 ].

ينتسب هذا الطراز من الرجال إلى الإمام الكبير عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ويحاول باستمرار إحياء خطه وبعث مسيرته.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *