عام

إضاءات على بنغلاديش: عسكر يحكم ومعارضة تُغتال

Views: 614

إضاءات على بنغلاديش:  عسكر يحكم ومعارضة تُغتال

انفصلت باكستان عن الهند في 1947 لتكون دولة للمسلمين دون البقاء تحت حكم الهندوس، وهو انفصال عارضه مؤسس الجماعة الإسلامية (المودودي) كوْنه قائم على قومية وليس على تحكيم الشريعة،  ثم بدأت حركات انفصال جديدة على أساس اللغة بدأت في 1951 ثم تبلورت في حركة اللغة عام 1952 وقد نجحت في 16/12/1971م بدعوة مجيب الرحمن الذي صار رئيسًا لوزرائها.

 أكثر من 19 انقلابًا عسكريًا خاضتها بنغلاديش منذ انفصالها، وكان الجيش جزءًا رئيسًا فيها، وقاد الضباط حملات الاغتيال والتصفية في كل مرة، ويُذكر هنا أن الفترات التي كانت تشهد استقرارًا فقط تلك التي يحكم البلد فيها جنرال من الجيش! ويتصل بذلك نفوذ الجيش في معظم سلطات البلد والتحكم باقتصادها ومواردها، وهو يتدخل أيضًا في الحكومة المدنية ويُقصيها ويشن حملات اعتقال بدعوى محاربة الفساد.

 اغتيل زعيم حركة الانفصال مجيب الرحمن مع 18 من عائلته في عام 1975 ونجت ابنتين له إحداهما صارت زعيمة حزب أبيها وتسلمت الحكومة أكثر من مرة وهي الشيخة حسينة التي تحكم البلاد حاليًا، ومنافستها هي خالدة ضياء الرحمن وهي ابنة الرجل الذي قاد انقلابًا عسكريًا على مجيب وأسس بعد الانفصال الحزب الوطني، وقد تسلمت الحكم أكثر من مرة، ويُذكر أن أبيها تم اغتياله في 1981.

حسينة وخالدة ابنتي قيادات سابقة  وطرفي النزاع، ويعزز مكانتهما نفوذ عائلتيهما الاقتصادي والسياسي إلى جانب نفوذهما في حزبيهما وعلاقة كل منهما بأحلاف مختلفة.

 أدينت حسينة بقضايا فساد وابتزاز واعتقلت إثر ذلك ثم تم الإفراج عنها لظروف عُمرها وأُبعدت عن البلاد وفي 2008 عادت وترشحت للانتخابات وفازت فيها وكان ضمن برنامجها محاكمة المتهمين بجرائم حرب من المعارضة ولم تذكر الجيش الباكستاني أو جيش الهند وميليشيات الهندوس!

ولا يفوتني أن أذكر أنها مسلمة ولكنها تريد دولة عَلمانية قومية وتسعى لإرساء ذلك.

 أما ما انتهجته في بنغلاديش تمثل في عدة سياسات؛ سياسات تحصنها مدى الحياة، وسياسات قمعية تهدف إلى القضاء على الجماعة الإسلامية تحديدًا وإقصائها عن المشهديْن السياسي والاجتماعي وذلك بعد توسع زخمها؛ ومن سياساتها:

–          تشكيل ميليشيا (التدخل السريع) وهي قوات خارج الشرطة والجيش تقوم بعمليات قمع المتظاهرين وقتلهم حتى لا تُدان الحكومة وتظهر كأعمال تخريب، رغم تورط أبناء حزبها بشكل مباشر. (مثل: الشبيحة، والبلطجية، والزعران)، وهنا أشير إلى قمع مظاهرات الطلبة الجامعيين التي بدأت من 2010 وتتنشط كل فترة.

–          استخدام الشرطة سياسة: الرصاص في سويداء القلب؛ بهدف القتل وليس تفريق أعمال الشغب، وهي سياسة في مصر وغيرها.

–          تشكيل محكمة باسم: محكمة الجنايات الدولية وهي ليست دولية، بقوانين استثنائية لتنفيذ أقسى عقوبة في المعارضة ممثلة برموز الجماعة الإسلامية وعلمائها؛ بهدف إضعاف الجماعة من جهة ومن جهة أخرى خلق حالة من العنف لتسوِّغ عنفًا أكبر من الحكومة ضدهم.

–          محاكمات بلا إدانات أو قرائن، واستئناف المتهم يُرد عليه بحكم أعلى (من مدى الحياة إلى الإعدام)؛ لذلك أرى أن إعدام (عبد القادر ملا) هو اغتيال سياسي.

–          عدم التطرق إلى الضباط المتورطين باغتيال عائلتها، أو المتهمين من الجيش في أحداث 1970-1971.

–          عدم محاكمة أي متورط في أي جرائم بعد ذلك وخاصة أن البلاد لم يتوقف فيها القتل مع كل انقلاب.

–          يخدمها إعلام يقوم على شيطنة الجماعة الإسلامية.

 الصراع بين العلمانيين ومعهم القوميين في مواجهة مَن ينادون بتحكيم الإسلام معركة تتكشف سُحبها كل يوم، وما جرى ويجري في بنغلاديش ومصر واليمن وسوريا وفلسطين وغيرهم ليست قضية استبداد عابر؛ ولا هو إقصاء لقوة سياسية منافسة فقط؛ بل هو رفض للإسلام في ثوب حرب يدَّعي رافعو لوائها أنهم مسلمون!

 وبدأت تثور هذه الأيام عناوين للنصارى؛ أنقذوا نصارى العراق؛ أنقذوا نصارى فلسطين؛ ويأخذ الأوكرانيون حرية مطلقة في مواجهة حكومتهم؛ …إلخ.

 فهل اقترب وقت نعيد فيه تشكيل لوح الشطرنج ليكون الأبيض معًا والأسود معًا؟ ليجتمع كل مَن يريد الإسلام معًا في مواجهة دعاة القومية والعلمانية وأحلافهم والنصارى والهندوس؟

هل ستكون هذه معركة قادمة تسبق تحرير بيت المقدس؟

 على الهامش:

–          الجماعة الإسلامية في باكستان والهند وبنغلاديش تنبذ العنف وتدعو إلى السلم المطلق، وإن ظهر مَن يرفض الانفصال أو يؤيده منهم لكن لم يصدر أي بيان أو دعوة لاستخدام العنف.

–          اليوم ذكرى انفصال بنجلاديش.

–          أؤيد انفصال باكستان وبنغلاديش وخاصة أن القوة التي تمنع الانفصال على أساس قومي وتحمي خيار  الحكم بالإسلام؛  مفقودة؛ إلى جانب أسباب أخرى أقدر وجاهتها من مثل البُعد الجغرافي بين باكستان وبنغلاديش (1600 كيلو متر)، وغير ذلك.

–          لأننا أمة واحدة حقًا فإن ما نتعرض له يتشابه في فصول كثيرة وإن فرقتنا الجغرافيا وحَّدَنا المُصاب.

إسراء خضر لافي

13/صفر/1435هـ

16/كانون أول/2013م

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *