عام

متطلبات الحياة على أرض فلسطين

Views: 892

متطلبات الحياة على أرض فلسطين

يريد أن يحيا الناس في فلسطين كبقية الشعوب في كل مكان؛ استقرار ووظيفة وبيت وتعليم، يمارسون نشاطاتهم ويعبرون عن أفراحهم وأحزانهم وآمالهم، ولكن للحياة على أرض فلسطين خصوصية لا تدانيها أي منطقة؛ من حيث التاريخ، وظرف الاحتلال، والبركة التي تتمتع بها، إلى جانب تشابك الحياة الاجتماعية والسياسية، وحالات التدافع الثقافية الناتجة عن كل الممارسات الحياتية سواء التي توائم ظرف الأرض المحتلة أو التي تتعارض معها.

فكيف يمكن أن تتمتع بالحياة الهانئة فيها دون أن تقدم مقابل ذلك ما يجعلك تستحق الحياة على أرضها أو الصعود للسماء من بوابتها؟ وكيف يمكن أن نضع حدًا للتناقض بين الرغبة باسترداد كافة الحقوق إلى جانب حياة وادعة بجوار محتل غاصب؟ بل كيف نستطيب ممارسة شؤون الحياة المختلفة ونحن نرى ونسمع ونعايش الموت والاعتقال والإذلال؟

إن الحياة على أرض فلسطين جهاد على الله أجره، لكن هذا الجهاد وهذا الأجر يتضاعف أضعافًا كثيرة إن حضرت النية فلا عمل بلا نية، ليكون جهادًا عن وعي وبصيرة، تعرف معه أنّ وجودك فيها ليس اختيارك بل اصطفاء وتقدير من الله العزيز؛ ليبتلي فهمك وعملك وما ستبذله فيها لرفعة دينك، وتحرير أمتك، وحسن آخرتك.

ومن فقه الحياة في فلسطين أن تعرف واجبات الوقت فلا تبذل ساعة في غير فائدة، بل تجند الوقت والمال وما تملك من علم وتجربة وخبرة لتضيف على واقعك شيئًا جديدًا في بناء مسيرة التحرير، فليس الجهاد أن تدير ظهرك للحياة بل أن تنهل منها لأجله؛ لتصيغ حياتك، طعامك، معاملاتك، أفراحك وأحزانك بأنفاس الراحل عما قريب، فتحسن بقدر استطاعتك، فلا تبخل، ولا تتعب، ولا تركن، ولا تستسلم، ولا تؤجل.

ومن فقه الحياة هنا أن تدرك أنّك صاحب الحق وهذا الحق معتقد وأصل لا يقبل التنازل أو التفاوض أو الاستبدال، حق لا يشاركك فيه يهودي غاصب، ولو كان الاستسلام يرجع البلاد لعادت، ولكن خيارات التقسيم والتهجير والمصادرة سياسات تمارس ضد الفلسطيني لصالح الاحتلال.

من فقه الحياة والجهاد أن لا تشغلك توافه الأمور عن القضايا الرئيسة، فلا وقت للجدال والاختلاف على فروع ثانوية، ولا وقت للإضاعة، بل كل الوقت للاجتهاد لتعرف ما عليك وكيف تؤديه.

من يختارهم الله ليعيشوا في فلسطين منهم من يرسم الطريق نحو التحرير بدمه، ومنهم مَن يدافع عن الطريق بقلمه وسلاحه وسني عمره، ومنهم من يحافظ على ثبات البوصلة نحو القدس، وآخرون لا محل لهم من الإعراب حتى وإن ملؤوا الدنيا ضجيجًا واستنكارًا وتشغيبًا ومزاودة على مَن فقهوا المواجهة والاستمرار حتى النهاية.

إننا ندفع الثمن ليعيش أبناؤنا وأحفادنا بكرامة واحترام على أرضنا، كما يفعل الأب الذي يعمل ليل نهار ليوفر قوت يومهم، فمن فقه الحياة أن نوفر لهم مستقبلًا أفضل، مستقبلًا خاليًا من الاحتلال، ولكل منا دوره الذي لا يجب أن يفقد جوهره؛ بين التحرير والتمكين، وفي كل منهما سنبقى بحاجة للكفاءات وأصحاب الرسالات الذين ينذرون أنفسهم دومًا لتحيا بهم وبجهادهم وسعيهم أُمــة.

فهل تعيد انتفاضة القدس تشكيل وعينا لينضج فقهنا لحياتنا على أرض فلسطين؟

إسراء خضر لافي

27 ذو الحجة 1436هـ

11 تشرين أول 2015مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *