عام

أحب بلاديَ الأولى*

Views: 2217

مرت ذكرى خروجنا من اليمن، وشغلتني مستجدات الأحوال عن الوقوف معها، وأنا التي تشتاق وتحِن، وأطياف الطفولة فيها تحرك كل جميل، كنا نعيش فلسطين، نتنفسها، نعمل لأجلها، نغني، ونؤدي المسرحيات، ونهتف، ونرمقها في آخر الطريق، لا نرى فيها الحياة؛ فقد كانت الشهادة تختزل كل شيء، بل كل فكرة وخاطر!

اليمن في الذاكرة البعيدة، وفي النبض القريب، فيها تربيت على الانتماء للدين، كان حب فلسطين شيئًا من ديني، ولكن لا يتفوق أبدًا عليه، فلما صرنا في فلسطين وإلى اليوم أكتشف أن الخطأ في نظرتنا إليها أننا نراها آخر النفق والحقيقة أنها السبيل وليست الغاية، وأنها ساحة للعمل والعطاء، للتضحية والفداء، ثم للنصر والبناء، وأنها جزء من قضايا كبرى؛ فهي ليست محطتك الأخيرة بل محطة في مشروع يسع الأمة، وأن الدين يعود ليكون السماء التي تُظل الروح، والنبض الذي يحيي كل فكرة وإن كانت الأرض بوارًا أو أوشكت!

قد لا يُرى في الغربة راحة ولا هناء إلا ببعض التمتع، ولكن المشتاق يبقى يحن ويئن، وينسينا الدمع ومرور العُمر أن هذا الاغتراب في مقتبل الحياة كان سببًا في تحرر الإنسان من بعض ما يجب أن يتحرر منه، كالتعصب لرفع علم أو نشيد وطن أو قبيلة، ولكل ما لم يكن له اعتبار في تصورك الأول، في تكوينك، في أسطوانتك المعرفية والثقافية والعقدية، هذه التي تنظم حتى أمانيك.

قدمت لي اليمن؛ إذ رفعتني فلما عدت إلى فلسطين كنت أتقدم على أقراني في المدارس الفلسطينية؛ علميًا ومعرفيًا تحديدًا في القرآن، في الدين واللغة.

قدمت لي اليمن؛ طفولة جميلة، وذكريات لطيفة، وحب لا يُضاهي، وأصدقاء من جنسيات مختلفة؛ سورية ومصرية.

إذا قدر الله لي عمرًا فإني أتمنى أن أرى اليمن يومًا ما سعيدًا فقد أنهكته الحروب، وأن أساهم في بنائه أو أترك فيه أثرًا كما فعل صانعو حضارته، وأتمنى أن ينال همتي وطموحي وروحي نصيب من شموخ بنائه، وجمال طبيعته، وبساطة أهله.

رحم الله شهداء بلادي اليمن، وعافى الجرحى، وفرج عن الأسرى، وجمع أشتات أهله، وردّ إليه أحباءه، وقيض له رجال رشد يصلحون ما فسد.

(أحب بلادي الأولى

بلاد السد والتاريخ

وأمجاد بها نفخر

أحب بلادي الأحلى …. أحب بلادي الثكلى …. )

* للشاعر: عبد الواسع السقاف، قصيدة بلاد البُن والعنبر


16
شعبان 1438هـ

13 أيار 2017مـ

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *