عام

الكتلة الإسلامية ولحظة لن تنسى [العلامة الفارقة]

Views: 868

قليلة هي تلك اللحظات الدافئة التي تستمر معنا طويلًا، تنبض بين جنبينا كلما هبت نسمات ذكراها، توقظ فينا ما يسهو، وتحرك فينا ما يركد، وتأخذنا للمضي قُدمًا، وهكذا يكون إنجاز الكتلة الإسلامية ، إنجاز يتجدد الشعور به كلما رأيت عملًا وبذلًا رغم كل المحن في كل الجامعات، نِعَمٌ تذكرك بالله فتدعوك لتتفكر.

طُويت خمسة شهور على نتيجة انتخابات مجلس طلبة بيرزيت، لحظات غمرتنا بالفرح الذي حرر ما فينا من الأحزان، وشفى بعض الجراح، ودثَّر أحلامنا وآمالنا، وجفف المخاوف، وبدد اليأس، وطوى صفحة العجز، وأطلق للإرادة ألحانها، تعزف وتُطرِب، وتشق طريقها عبر القلوب والعقول، بلا قيد ولا رهبة ولا استسخاف ولا رجوع للوراء.

ولا زلنا نحيا في ظلاله ليس تكبرًا ولا استعلاء لكنه الشعور بالإخبات، بمنّة الله، بعظمته في كل شيء، بضعف الإنسان رغم كل شيء، مهما عمل، مهما بذل، مهما عانى، مهما تمنى، على ضعفه رغم الطلب والإلحاح، رغم الخوف والإرجاف.

كلما وقفت بين يدي هذه الحادثة، تأملت عظيم الجهود التي بُذلت لتخرق بنورها الجدر وتزيل ظلمة الغياب، عظَمة حملت في أحشائها سلسلة متواصلة من العمل والبذل على مدار أعوام تكثفت في عامها الأخير، سعي يتلوه سعي، تمدد واتساع، تعاظم الابتلاء وتعاظمت معه الرغبة بالانعتاق، البحث عن الأمل في كل الاتجاهات، وعدم الزهد بأي فكرة، المعاصرة والقدرة على مجاراة لغة العصر زمانًا ومكانًا، في وسط ظروف الضفة وعلى وقع صفيحها الساخن، هنا احتشدت كل الأمنيات، كل الرجاءات، واشرأبت كل الأعناق، هنا الثمرة، هنا خلاصة مشهد متتابع الأزمات، هنا إما تولد البدايات أو توأد الرغبات!

هنا حين تقرأ قوله تعالى: “ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده”  سورة فاطر: 2، تدرك أنه ليس لك من الأمر شيء، ولكنها إرادة ومشيئة قُدرت وهكذا جرت فكانت، ولحكمة ربما لم نتبينها بعد، وتمحيص ثانٍ لمن تمنوا على الله هذا العطاء ليفعلوا ويبذلوا، ونموذج متكامل بجهود أفراده الذين حفروا في الصخر حتى استووا ومن ثم تمكنوا من استثمار ما توافر لهم من ظروف فلم يقعدوا ولم يمددوا أقدامهم ولم يُديروا ظهورهم أيضًا.

وهنا تتبين لطف الله تعالى حيث يقول:”الله لطيفٌ بعباده يرزق من يشاء بغير حساب” سورة الشورى: 19، لطف فيه رحمة وتثبيت، لطف بأهل الإنجاز، وبالمتأملين من محيط كان يرمق فجر التغيير من لحظة إشراق واحدة، لحظة فارقة على جبين الزمن، ما كان مهمًا ما بعدها، لرجال لم يعد لديهم ما يخسرونه أمام مجزرة الأعمار وحرب الاستنزاف الطويلة التي حفرت في أعماقهم شيئًا عصيًا على الانكسار!

لطيف بعباده وهو يعطي الكثير ويقبل القليل، فمَن ذا يستكثر عمله، وينسب لنفسه فضلًا، والله يسبغ النعم كل لحظة في كل سكنة وحركة، في الظاهر والباطن، في تدبير محكم، يدفعنا للعمل وإحسان التوكل حتى نتجرد من أنفسنا، حتى يتم التسليم يوافق لحظة صدق ويقين فتهتز الأرض وتربو وكذا كانت بيرزيت، هزة تجاوز صداها الحدود والقيود، وربوة لها أوان لإيناع وإثمار.

لطيف ومن ذا يُحس بلطفه ولا يعود إليه شاكرًا، حامدًا، راغبًا، طامعًا؟!

ومن ذا يدرك أن الشكر ليس فقط بحمد اللسان، ولكن بالتواضع وتجريد النفس من نسبة الفضل لها، وبديمومة العمل وإخلاصه، فما تحقق كان استحقاقًا عما مضى، وبمحاسبة النفس، والحرص على الإحسان، بصلاة ركعتين في جوف ليل أو قبل نوم، بصدقة خفية من عزيز مالك أو مما تملك، وبالشكر تدوم النعم.

كونوا الأفضل دومًا، ودوموا على ما يوفقكم إليه.

إسراء خضر لافي

08 ذي الحجة 1436هـ

22 أيلول 2015مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *