عام

مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات في فلسطين

Views: 964

بين الحقيقة والوهم

يبدو أن ظلال عصور الاستبداد والتعامل وفقًا لنظرية حارس البوابة أورثت أجيالًا من المثقفين والعاملين في مجالي الإعلام والقانون نظام تفكير مقيد بما عاشوه في مجتمعاتهم، ولكن تحت عناوين جديدة، تصاغ فيها أفكار جديدة على أن فيها مصلحة الجميع وإذ بها ميراث من القيود.

يأتي الحديث في فلسطين عن مشروع (قانون الحق في الحصول على المعلومات) في وقت أصبحت فيه المعلومة هي الفاصل في توفر المواد الخام لصياغة أخبار، وتقارير، وإنتاج أبحاث ودراسات بلا حدود، وفي وقت ينادى فيه بمجانية الحصول على المعلومات، والقدرة على الوصول إليها، لاستثمارها إعلاميًا أو علميًا أو في مجالات المساءلة والملاحقة القانونية أو في مجالات التحليل وتوقع مستقبل الأحداث والظواهر.

وليست المشكلة في التوجه نحو التقنين؛ ولكن المشكلة في أن يكون التقنين وسيلة للتحكم والسيطرة بدلًا من وسيلة لتسهيل مهمة الباحث أو الإعلامي، فحين يتضمن القانون مادة تنص على توظيف موظف مختص للنظر في طلبات الحصول على المعلومات؛ فهذا معناه أنك لم توفر الحرية اللازمة للحصول عليها، ولم تفرق بين حق الحصول على المعلومة التي تفرض على المؤسسات أن تضع ما لديها منظمًا لاستخدام الجمهور، وبين الانتقال من حالة عدم توفر المعلومة إلى حالة توفيرها مشروطة! وحين تشترط أن يكون طالب الحصول على المعلومة مقيمًا في فلسطين فأنت بهذا تحرم الطالب أو المغترب أو المبتعث من حقه إلا إن كنت ستضيف مواد إضافية توضح فيها سبل وصول المغترب للمعلومات المتعلقة ببلاده ومؤسساتها.

وماذا يعني أن يتضمن مشروع القانون إجراءات للحصول على المعلومات تبدأ من تقديم طلب للحصول عليها، ودفع رسوم مقابلها لا تزيد عن 10 دنانير إلا في حالات معينة، وصولًا إلى قبول الطلب أو رفضه في فترات تتراوح بين 15 يومًا إلى شهر؟ فإن كان صاحب الطلب طالبًا أو باحثًا أو صحفيًا؛ فهل تخدمه الفترة الزمنية الطويلة في انتظار الحصول عليها؟ وما المشكلة في توفرها دون طلب ورسوم؟ وفي ظل عصر المعلومة مفتوحة المصدر فما المعنى للإجراءات التي ستعيدك إلى دوامة الإجراءات الحكومية التي يحسب حسابها المواطن ويحمل أطنان النكد في قلبه قبل دخولها؟

كما يتضمن مشروع القانون أن رسوم التقدم للحصول على معلومة تزيد إن احتوى الطلب على أكثر من معلومة؛ لكنه لم يوضح حجم المعلومة الواحدة، هل سيكون بالكلمة أم بالحرف أم بالسطر أم بالكيلو بايت؟ أم أن فكرة تشريع قانون للحصول على المعلومة يستهدف المعلومات المحظورة عن التداول؟ بطبيعة الحال غير صحيح لأن مشروع القانون وضع شروطًا للمعلومات المتعلقة بالأمن الاقتصادي والأمن الوطني؛ فإذًا ما المشكلة من نشر بقية المعلومات علنًا على قواعد بيانات مفتوحة المصدر تكون في متناول الجميع؟

ولماذا يُطلب من المواطن عند تقديمه لطلب الحصول على المعلومة أن يضع تفاصيل كافية ليسهل مهمة الموظف باستخراج المعلومة بجهد بسيط بدلًا من الحرص على تصنيف وترتيب البيانات وفقًا لمنظومة برمجية تجعل من مهمة المواطن استخراج المعلومة التي يريد وبجهد بسيط دون الحاجة إلى وسيط؟ أم أن التفكير بتسهيل مهمة الموظف مقدم على تسهيل الطريق للمواطن؟

في زمن السرعة والبحث عن الطريق الأسرع والأيسر للوصول لما يلبي حاجتك فضولًا معرفيًا أو بحثًا لحاجة أو استكمالًا لعمل؛ فإن العودة لزمن التوقف في طابور المعاملات لأجل حصول على معلومة أيًا كانت؛ أحد ضروب الرجعية والعيش في قيود الماضي.

المطلوب اليوم من القانون أن يسهل حاجات الناس، ويواكب روح عصرهم، ويحفظ حقوقهم، وإن قصر في أي منها فسيبقى عاجزًا عن تلبية حاجات المجتمعات، فليس مهمًا القول أنه صار لدينا قانون؛ بل المهم أن نلمس وجوده من حاجتنا، ولنتخلص من إرث الاستبداد والحاجة للوسيط والحارس الذي يحدد المسموح والممنوع لي في ضوء رؤيته لا في ضوء حاجتي، فاليوم عصر يحدد فيه الإنسان لنفسه حاجاته ورغباته ويستطيع تلبيتها خارج أسوار المنع بحجة التنظيم.

 

منشور على مدونات الجزيرة:

مشروع قانون الحق في الحصول على المعلومات في فلسطين

08 كانون أول 2017 

10 ربيع ثاني 1438هـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *