عام

تأثير عسكرة جامعة بوليتكنك فلسطين على حرية الرأي

Views: 3176
يبدو أن عسكرة الجامعات الفلسطينية تسير على قدم وساق، تجلت في أوضح صورها بالأسلحة الرشاشة التي أطلقت زخاتها قبل وبعد صدور نتائج انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بوليتكنك فلسطين، وقد سبقها إطلاق الرصاص إثر نتائج انتخابات مجلس طلبة جامعة النجاح، فيحمل مَن يحسبون على فئة الطلبة السلاح للرقص والاحتفال، فيما تقف مستوطنات الاحتلال ومعسكره أمامهم، وفيما يدخل الأسرى إضرابهم عن الطعام في يومه العاشر -حينها-، وفيما فقدت مئات الأمهات أبناءهم الذين اختاروا النضال ولم يجدوا السلاح!
 
ليس السلاح العلني آخر مظاهر العسكرة فأن تتحول الجامعة شيئًا فشيئًا لثكنة أمنية يضطر الطلبة على التعامل معها يوميًا؛ هو حال جامعة البوليتكنك بحسب ما يرويه الطلبة، فضباط مخابرات يداومون في ساحات الجامعة والمرافق الإدارية، وموظفو أمن محسوبون على الوقائي أو المخابرات، وطلبة يتطوعون في الأجهزة الأمنية ويشاركون في اقتحام بيوت زملائهم أو زميلاتهم في سابقة خطيرة تمكن فيها الطلبة من التعرف على زملائهم -المقتحمين-!
 
هذا بخلاف تعرض بعض الطلبة والطالبات للملاحقة والتفقد في القاعات الدراسية من أشخاص بلباس مدني ظنهم الطلبة طلابًا ثم بعد فترة إما اختفوا أو ظهروا بلباس الأمن، وهذه الحال المربكة تُفقد الطلبة الثقة بالموجودين في مرافق الجامعة.
 
الأسوأ من هذا أن فئة لا بأس بها ترفض التعاطي مع أي إطار طلابي، بل تخشى أن تدلي برأيها خوف الاعتقال، كما تخشى الانحياز لأي فئة وإن ظُلمت خشية خسارة بعض المصالح الطلابية أو التسهيلات، وفئة أخرى تخشى من مخالفة أستاذ على مجموعة فيسبوك أو حتى الانتقاد كي لا تتأثر درجاتهم الأكاديمية!
 
يُضاف إلى ذلك محاصرة الجامعة من قبل الأجهزة الأمنية أكثر من مرة؛ إثر الدعاية الانتخابية عام 2016 وإثر معرض للكتلة الإسلامية، وكذلك حالات خطف الطلبة واعتقالهم من أمام الجامعة على مرأى ومسمع الطلبة والأطر الطلابية وإدارة الجامعة، وتعرض سكنات بعض الطلبة للمداهمة، ترافقها أحيانًا حملة مصادرة لنشاط مُعد للطلبة وبعد الحصول على إذن بتنفيذه، وتعرض مكتبات قريبة للاقتحام بالسلاح لمحاربة حملة خصم على الكتب تنفذها الكتلة الإسلامية والتي تضطر لتنفيذها خارج أسوار الجامعة بسبب رفض إدارة الجامعة الموافقة على تنفيذها داخل أسوارها، إضافة إلى سلوك الشبيبة بطرد أبناء الكتلة الإسلامية خارج أسوار الجامعة في إحدى الحملات الخدماتية السابقة.
 
يُظهر هذا المشهد لوحة تآمرية متكاملة في صورتين: الأولى أن تسمح الإدارة بنشاط الكتلة الإسلامية ثم يداهم أو يحاصر أو يصادر أو يختطف الطلبة من أمام الجامعة ودون أن تحرك ساكنًا، والثانية ألا تسمح بالنشاط، فيضطرون للعمل خارج أسوار الجامعة وأيضًا يتعرض للمداهمة.
 
إزاء التراجع المستمر في الديمقراطية في البوليتكنك منذ عامين، وإزاء حالة العسكرة المتزايدة، إضافة لأسباب أخرى متعلقة بالحركة الطلابية وضعف قدرتها على النهوض بوعي المجتمع الطلابي، وانتهازية بعضهم بجعل هذا المجتمع مجتمعًا فاسدًا يعتاد الفساد، ويتقبل الابتزاز، ويخضع للتهديد والترهيب، ويصدق كل إشاعة دون تثبت، ويغلق أبواب قلبه عن زميله الطالب المخالف له فكريًا لمجرد أن قيل له (اكرهه، عاديه، هذا عدوك) وهو لا يفهم سبب العداء، إزاء هذا كله فإن التراجع في نسبة الإقبال على المشاركة في انتخابات “يفترض” أنها “طلابية”؛ يصبح مفهومًا، فنسبة التصويت هذه تعيدنا إلى أجواء عام 2009 حيث بلغت نسبة التصويت 55.7%، وتتقاطع مع ظروف العام الأخير حيث بلغت نسبة التصويت 56% فقط.
 
ويبقى السؤال: إلى أي حد تنخرط إدارة الجامعة وعمادة شؤونها في التوجه الحثيث نحو عسكرة الجامعة، وهي تتقبل كل المظاهر التي سبق بيانها؟ وأي حركة طلابية تلك المنتظرة في البوليتكنك؟ ومَن المستفيد من ملاحقة طلبة وطالبات وتحجيم أحد الأطر لصالح الآخر؟ فيما هو معلوم أن قرار حظر الكتلة الإسلامية صدر عن الاحتلال الصهيوني منذ 25 عامًا! كيف يمكن لأجواء كهذه أن لا تجعلنا نستحضر كل مستبد وطاغية؟ ولكن المفارقة هنا أننا نتحدث عن حاضنة تُكرَّس لإنتاج مستبدين وجلادين جُدد!
المقال على مدونات الجزيرة
 
03 شعبان 1438هـ
30 نيسان 2017مـ
Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *