عام

الإسلام يُحارب، والمسلم هو الحل

Views: 964

تبدو ذاكرة الإنسان قوية حين يستدعيها تشابه الألم مع ألم مودَع في ذاكرة طفل وعى مجازر ذبح وتقتيل وتشريد، حين اخترت التواري للبكاء تعبيرًا عن الوجع، عن الرغبة في إيقاف هذا النزف، أو الإنشاد تخليدًا لذكرى حرب وتقتيل، ينقل للمجتمع الذي لم يتابع تفاصيل حرب تدور؛ هتكٍ للأعراض، وذبح للأطفال والرجال، أمهات وزوجات ثكلى، تستغيث وما من مغيث، ومَن كُتب عليها الحياة؛ كُتب عليها أن تعايش الألم ما التفتت يمنة ويسرة، عند كل زاوية، في كل مشهد، مع كل مقبرة جماعية يُعثر عليها، مع قوائم المفقودين، مع كل آهة تنبش المقبورين والمفقودين وليالٍ طوال من الأسى والجراح، هكذا أستذكر حرب البوسنة والهرسك، وأتذكر الأنشودة الوحيدة التي حفظناها ورتلناها:

في البوسنة أعداء الخير ذبحوا الإسلام

هتكوا الأعراض وداسوها والناس نيام

أتذكر أني كنت أرغب في دفن رأسي في فراشي لعلي أنسى، كان الألم دثاري، والصمت حالي، هذه الصورة الواضحة، ثم حرب الشيشان ومن قبلهما هذه الحرب المستمرة في فلسطين المحتلة والتي تفتح عليها وعينا باكرًا، والفقد الأول للشيخ عبد الله عزام في الحرب في أفغانستان؛ كلها مجتمعة رسخت في أعماقي أن هذه الحروب كلها؛ حرب واحدة، حرب ضد الإسلام وأهله، هكذا وعتها الطفلة في داخلي قبل أكثر من عقدين، دون تعقيد، دون عناء التفاصيل في العلاقات الدولية، والرؤى الاستراتيجية.

كان لهذا الموجز (إنها حرب ضد الإسلام) أن يصنع مني إنسانًا آخر، يريد أن يتميز، أن يكون المسلم الأفضل؛ ليتمكن يومًا من رد الاعتبار لدين الله، وليكون قويًا قادرًا على بناء حضارة الإسلام العظيمة من جديد، الذي يبذل من وقته لدينه ومجتمعه لا لنفسه فقط، وأوجب هذا عليّ أن أبقى على اطلاع مع بذل جهد كبير لتحجيم الألم، ليبقى تحت سيطرتي فلا يفسد عليّ حياتي لأني عاجزة عن تحقيق شيء لأجل كل هذه الآلام بدون طغيان الألم؛ فكيف إن طغى عليّ؟

هذا القرار بالريادة المبكرة، وما رافقه من وعيي المبكر أن أمامنا هدفين: الأول تحرير فلسطين، والثاني قيام الخلافة الإسلامية، دفعني لأن أحرص على بقاء هذه الوجهة ماثلة أمامي، فلا يضير حجم الآلام، ولا التضحيات، ولا ما يفوت، المهم أن يسلم هذا الدين، وتسلم النية، وتؤدّى الأمانة، والانتصار في كل المعارك؛ في مواجهة النفس وشهواتها، في مواجهة الحياة وصروفها، في مواجهة الخصوم، والأعداء.

مع الزمن والانغماس أكثر فأكثر في هموم الحياة اليومية؛ الإدارية والأكاديمية، يفقد الإنسان وضوح الرؤية إلى حد ما، أو ينسى ما التزم به أمام نفسه، إلا أن الجراح تستدعي بعضها بعضًا.

يبدو البكاء والنحيب على التقتيل في كل مكان مهلكة، وإسراف عاطفي، فمآسينا وقتلنا في كل العالم لن يتوقف، وهي معركة طويلة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وحتى يمكِّن الله لنا وتكون العاقبة للمتقين، وكل منا في مكان إقامته أمامه معركة عليه ألا يغفل عنها.

أعادتني الحرب في أفريقيا الوسطى 2014 إلى تلك المشاعر الأولى، كانت أشد عليّ من وقع مآسي الثورات العربية، لأن القتل كانت هويته واضحة؛ الإسلام، لنعيش وقائع قصة أصحاب الأخدود في القرن 21، هي ذات الهوية الواضحة في تقتيل إخواننا المسلمين في بورما، الإسلام مرة أخرى، ليست الأهداف السياسية ولا الاقتصادية وحدها التي تقوم لأجلها حروب الإبادة، ولكنه الخوف من دين يسود.

إذا بقينا نعتبر أن المعضلة إنسانية، وأن الجهد المطلوب إغاثي فقط، وأننا بحملة دعاء، وبكاء، وتغيير للصور الرمزية، وبتبرع قد نبذله نكون قد أدينا ما علينا؛ فهذا وهم وزيف كبيرين.

منذ قرن أو أقل بقليل والحروب مندلعة في كل مكان، تحت ستار تمرد، تحت ستار إبادة، تحت ستار سيادة، تحت ستار استقلال أو انفصال، وجزء كبير منها ضد الإسلام فقط، ثم نأتي لنقول التضامن هو فقط طريقنا؟ هذا تضامن الجبناء، لأن هذه الابتلاءات إن لم تجعل منا أشخاصًا أفضل فإننا لم نعِ الدروس بعد، اليوم هم وغدًا نحن، هذه الابتلاءات إن لم تجعلنا أكثر وضوحًا ومفاصلة وانحيازًا للحق وإعلانًا له فهذا يعني أننا نفشل في الاختبار.

ربما يكون البدء بتشكيل كيان إسلامي جامع يسع الأمة الإسلامية، وطاقات الشباب في كل المجالات، والإعداد العسكري أي القوة التي تحمينا وتحمي مشروعنا، قد يكون هذا حل مرتقب، ولكنه في ظل تشرذم أمة العرب وانغماسها أكثر في لهو السياسة وتضييعها للدين وأمانته، سيبقى حلمًا جميلًا، ولهذا على كل منا أن يعد نفسه لمعركته، فيؤدي حق الله أولًا كاملًا، وألا يخجل من دينه وشرائع دينه دون ميوعة ولا تساهل مبتذل بدعوى المعاصرة ثانيًا، ثم ثالثًا أن يعرف ما يجري فيعرِّف بدوره بكل قضية مسلمة في كل مكان يكون فيه؛ أهله، ومجتمعه، وكل مَن يعرف، فتكون مادة الحوار إلى جانب الدولار والدينار! ويمكن أن يكون هناك رابعًا وخامسًا حين ننجح في أن نكون على قلب رجل واحد.

بورما أخت البوسنة والهرسك، وأفريقيا الوسطى أخت الشيشان، هم منا ونحن منهم، وكلنا مسلمون: “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”، “ولينصرن الله مَن ينصره”.

 16 ذو الحجة 1438هـ

07 أيلول 2017مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *