عام

الضفة الغربية والمصالحة .. ملفات معقدة

Views: 3456

بدت الضفة الغربية خارج جولات المصالحة الفلسطينية طوال 6 سنوات منذ توقيع المصالحة في قطر أيار 2011، أو هكذا شعر أصحاب المظلوميات فيها، وعبروا عن ذلك بسلسلة من الاعتصامات والمسيرات الاحتجاجية منذ مارس 2011 حتى يومنا هذا، تخللها الإضراب عن الطعام في السجون والذي بدأ أواخر 2010، وإغلاق الشارع، والاعتصام حتى ساعات الليل، تعرض فيها كثيرون للضرب والتهديد.

 

وكثير من الإنجازات والحالات التي حققت إنجازًا وتقدمًا كانت المبادرة من أصحابها، كبعض الموظفين المفصولين وانتزاعه حكمًا قضائيًا بإعادتهم تعويضهم، وحظر الكتلة الإسلامية الذي تمكنت في ظله من تحقيق بعض الإنجازات بالاحتجاجات المنتظمة وباقتحام الميدان دون الاستمرار في العزوف عن المشاركة في الحياة النقابية.

 

اليوم مع تجدد حديث المصالحة بشكل عملي وزيارة حكومة الوفاق إلى غزة فإن تفاعل أهل الضفة مع الحدث لم يرق لما رافق توقيع 2011، والذي استُقبل بالاعتصام وسلسلة من المطالبات التي بقيت معلقة ولم تسلك طريقًا إلى النور حتى الآن، فسكتت الأصوات، واحتنقت الصدور بالقهر والغضب، وغارت الآمال بصدق تغير الأحوال في قريب عاجل أو بعيد يؤمل، وبات الأمل معلقًا فقط بصفقة تبادل جديدة يكتفي بها الناس بالفرح بعودة الأسرى والأسيرات، يائسين من تغير الحال مع السلطة ومع شيوع الفساد والظلم في الضفة الغربية، في حالة تجمع التأقلم مع الحال مع فقد الأمل.

 

ومع تجدد الحديث عن لقاء مرتقب في القاهرة يُبحث فيه ملف الضفة الغربية ضمن جملة ملفات أخرى، ورغم ما يشاع بحضور ممثلين يعرفون واقع الضفة الغربية على رأسهم صالح العاروري وحسام بدران، وتوقعات بحضور شخصيات أخرى من الضفة الغربية، فإن هذا لا يمنع من الوقوف مع واقع الضفة الغربية وملفاته، سواء للمطالبة به، أو للتذكير بما وصلت إليه مما يصعب معه الترقيع والتجاوز والإغفال والتأخير ضمن سياق الأولويات، وهو تذكير أيضًا لمن نسي مع طول الزمن أن حقوق الأفراد والمجتمعات لا تسقط بالتقادم، ولا يحق لأحد تحت شعار: مرحلة تسامح وأجواء إيجابية؛ أن يمنع الحديث في الحقوق.

 

 فما هي القضايا العالقة في الضفة الغربية والتي لم تعالج حتى استفحلت؟

يمكن تصنيف قضايا الضفة ضمن ثلاثة محاور: المقاومة، التنسيق الأمني، الحريات والحقوق المدنية، ويأتي فيها:

أولًا: قضايا الذين قتلوا في سجون السلطة الفلسطينية تحت التعذيب أو مَن قتلوا في الشوارع أو تعرضوا لإصابات بالرصاص ضمن ملاحقة العمل المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهؤلاء رغم أن خسارتهم لا تتوقف عند أهاليهم فحالة الترويع التي شهدها الشارع والأنصار لا علاج لها، إلا أن المهم حقوق أهاليهم إن قبلوا بذلك، ولا يحق هنا لمسؤول أن يقرر أن الدية تكفي أهل المقتول إن لم يكن هذا ما يرضيهم، فسؤالهم أوْلى.

ثانيًا: المعتقلون في سجون السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية الذين حوكموا بتهم المقاومة أو لا زالوا ينتظرون المحاكمة، منذ عام 2007 إلى يومنا، ابتداءً بأمين القوقا وليس انتهاء بخلية سلواد معاذ حامد وأحمد شبراوي.

ثالثًا: الاعتقال والاستدعاء السياسي والمنع من السفر أو ما باتت تُعرف ضمنه حالات كثيرة بسياسة الباب الدوار أو “كمبيوتر” واحد، فكثير منهم يتعرضون للاعتقال من قبل الاحتلال بعد الإفراج عنهم من سجون السلطة بفترة أو مباشرة، إضافة لما تتركه هذه الحالة من عدم الاستقرار لدى المستهدفين، وأيضًا حالة من الكراهية والرغبة بالانتقام.

يضاف إليها ما يتعرض له المستهدفون من سب للذات الإلهية وشتم في الأعراض، وضرب، وتهديد بالاحتلال، وتعطيل لمشاريع حياتية سواء دراسة أو عمل.

وكثير من حالات الاعتقال السياسي جاءت ضمن سياق منع شباب الحركة من إنشاء مشاريع خاصة، فحوربوا إما بمنع الترخيص أو بالاستدعاء والاعتقال.

وكذلك حالات منع السفر التي لا يتفرد الاحتلال في القرار بشأنها، والتي تجري وفقًا لتقارير من الأجهزة الأمنية لمن ينشطون ضد السلطة ويحملون أفكارًا لا ترضي الاحتلال.

رابعًا: مصادرات الأموال الخاصة، وحجز الحوالات، تحت بند غسيل الأموال، كثيرًا ما تُتبع بتفتيش أو اعتقال أو تسبب في منع سفر إلى غير ذلك من آثار على حياة أصحابها.

خامسًا: رواتب الأسرى المحررين والنواب وعوائل الشهداء التي توقف بعضها وجرى حديث عن استئنافها إلى تجددها حديثًا مع عائلة الأسير عاهد أبو غلمة في 05/10/2017.

سادسًا: الفصل الوظيفي الذي تعرض له عدد كبير من الخطباء والمدرسين، إلى جانب النقل التعسفي من موقع العمل أو خفض الرتبة الوظيفية لمنع حصول صاحبها على علاوة أو منعه من التنافس على الترقيات، وذلك في سياق الحد من نجاح الأفراد الذين يعرفوا بانتمائهم ونشاطهم في الحركة أو عقوبة تُفرض على أبناء قيادات الحركة لمجرد أسماء آبائهم.

في المقابل يُعمل على تجنيد عدد من الموظفين في الوزارات والدوائر والجامعات ودوائرها المختلفة لصالح الأجهزة الأمنية، ولفرض واقع أمني يصادر كل الحقوق، ويضع الجميع في مربع الملاحقة، مما يحد من إمكانية ممارسة الحريات في الرأي والاعتقاد أو حرية الاحتجاج على ممارسات الحكومة والسلطة الحاكمة، كما في قانون الجرائم الإلكترونية الذي رفع العقوبة لمن هو موظف حكومي!

سابعًا: ويتصل بالنقطة السابقة قضية التشييك الأمني التي لا زالت حاضرة، وعدم لجوء الناس للنشر عنها متصل بالخوف من جهة وبقناعتهم بعدم وجود جدوى من وراء الحديث عنه، إضافة إلى إشاعات ظهرت قبل عامين حول توقف العمل به، إلا أن الحقيقة أن المؤسسات وُزعت على الأجهزة الأمنية بين جهازي الوقائي والمخابرات، ويُستند في كثير منها على تقارير كيدية من محيط المتقدم للوظيفة، أو تقارير كيدية تقضي بنقله أو فصله من موظفين معه في الدائرة أو الوزارة.

وصولًا إلى إخضاع منح وزارة التربية والتعليم للتشييك الأمني بالتعاون مع وزارة الداخلية، الأمر الذي يعني عدم تكافؤ الفرص للمواطن الفلسطيني وفقًا لانتمائه، فيما يمكن أن يُفهم في سياق الانتقام، والعقوبة، ويمثل مخالفة للحقوق المدنية والإدارية له كمواطن.

ثامنًا: المؤسسات التي صودرت أو صودرت أموالها أو غُيرت هيئاتها الإدارية لوضع موالين لفتح أو موظفي أجهزة أمنية، والتي حافظت في بعضها على بعض الموظفين القدماء لضمان ثقة الجمهور المدني أو للمحافظة على الممولين.

تاسعًا: حظر الكتلة الإسلامية وملاحقة أبنائها وبناتها، وانتهاك حرمات بيوتهم، والتعرض لهم بالتهديد بالقتل أو الاعتقال من قبل الاحتلال، ضمن حالة أمنية أوسع فُرضت على الجامعات تخللها زيادة عدد الأمن، وملاحقة الطالبات في القاعات الدراسية والساحات، وتجنيد عدد من الطلاب والطالبات للعمل في صفوف الأجهزة الأمنية سواء للمشاركة في اقتحامات منازل زملائهم أو رفع تقارير بهم، وصولًا إلى زرع أجهزة تنصت في مصليات وغير ذلك.

إضافة إلى منع الكتلة الإسلامية في بعض الجامعات من استضافة أي ضيف بدعوى أن ذلك ممنوع فيما يُسمح لأطر أخرى ومجموعات شبابية بذلك.

وليس أخيرًا التزوير واستخدام الأمن في العملية الانتخابية، وكذلك محاولات القضاء على الحركة الطلابية من خلال استخدام المفرغين أمنيًا الذين مر على وجودهم في الجامعة أكثر من 8 أو 10 سنوات ليتسلموا بالمحاصصة رئاسة مجلس الطلبة أو الظهور في الدعاية الانتخابية.

ويضاف إلى ذلك زيارة مسؤولي الأجهزة الأمنية المستمرة لرئاسة الجامعات وبعض عمدائها.

 

مع هكذا ملفات معقدة، يمثل فيها الأمن العقدة والحل كيف يمكن أن تدير حركة حماس الملف في القاهرة؟ وكيف يمكن أن تحقق اختراقًا فيها في ظل واقع أمني مستمر لم يعبأ سابقًا بكل الاتفاقات والتفاهمات وأوغل أكثر في التنسيق الأمني مع الاحتلال والتغول الأمني في التعامل مع المواطنين؟

التحديات التي تواجه وفد حماس كبيرة، ولا تقف عند سلاح المقاومة وحمايته كمشروع، وإن كان سقف المأمول ليس عاليًا فإن ذلك لا يعني عدم المحاولة لصناعة واقع جديد، وإن غدًا لناظره قريب.

 18 محرم 1439هـ

08 تشرين أول 2017مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *