عام

التسول .. بين الإهمال والصدقة المهدرة

Views: 811

في مراحل مبكرة من أعمارنا والخير يغمر قلوبنا، وحب العطاء ميدان التنافس الأول، تغدو الصدقة أسهل ما يجمع العطاء، والشفقة، ويرجع على صاحبه بالشعور بالراحة والسرور، قد يفعل الطفل هذا دون وعي، كما قد يفعله الإنسان في مرحلة الشباب دون نظر لطبيعة هذا المسكين أو المُحسَن إليه، ينحصر التفكير في فعل لحظي، ورجاء قبول أو تفريج هم أو شفاء أو بحث عن شعور بالسرور.

ورغم حملات كثيرة للتحذير من بذل المال على المتسولين والتشكيك فيهم وفي حقيقة فقرهم وألمهم الظاهر إلا أن الناس لا زالت تعطي ونية الخير حاضرة، ولعل حسن النية هذا يشجع على استمرار ظاهرة التسول بل وزيادتها.

فكم منا وقف ليفكر كيف يمكن أن يوقف هذه الظاهرة؟ ومَن المسؤول عن استمرارها؟ وهل من جهة تقف وراء الاستفادة من شيوع هذه الظاهرة؟

أمام بعض المساجد والمدارس، في بعض الأزقة، قرب الأسواق، في أماكن مختلفة، صغار سن يلاحقونك يحاصرونك بالدعاء لتشتري منهم أو لتمنحهم شيئًا وإن قل، وامرأة تحتضن طفلًا معوقًا أو تجلس بقربه، تتسول بأوراق لا يخطر ببال المتصدق قراءتها، تفترش الأرض، وتمد يدها، وتردد ذات الكلام، وعجوز تحجز زاوية في زقاق على كرسي فوق رصيف يضيق بالمارة، تكثر الدعاء والتوسل بدعوى الحاجة لمواصلات فقط، وأي عقل يصدق بقاء امرأة في ذات المكان 5 شهور دون مغادرة لبيتها، وأينا يصدق متسولة تجلس على باب مسجد على مدار العام ولم تأخذ كفايتها؟ لكننا لا نقف لنفكر.

فصاحب الإعاقة بحاجة لمؤسسة اجتماعية، وفاقد العمل بحاجة للعمل، وما دمنا نقدم المال فلن تنتهي الأزمة، والأزمة هنا اجتماعية – أخلاقية بالدرجة الأولى، لماذا نرمي قطعة نقدية أو أكثر لمجرد كلام مبتذل مكرور لشخص غير منتج؟ بينما نجادل البائع على عربة في حِسبة أو في السوق لنكسب منه نصف شيكل تخفيض، ثم نستعرض بطولاتنا في استنزاف الإنسان العامل مقابل تلك المتسولة التي تقبض دون عمل، ودون تثبت من حالتها الاجتماعية، ودون حتى أن نتحقق من حقيقة مشكلتها.

وفي الوقت الذي  تتوفر فيه لجان زكاة، ووزارة شؤون اجتماعية، ووزارة عمل، فإن الواجب يقتضي أن تتعاون المؤسسات ذات الشأن لوقف الظاهرة وتتبعها ومعالجة كل حالة بما يناسبها، ولكن غيابها عن الاقتراب من حاجة الناس يجعلها منعدمة الفاعلية، عاجزة عن وضع حد لظاهرة لا تدل على مجتمع متعافِ.

وبدلًا من الركون للظل من قبل المسؤولين والوزارات فالأوْلى رفع المستوى المعيشي للناس بإيجاد مشاريع وفرص عمل تحسن من ظروف الفقير، وتعين صاحب العمل أو الحرفة ليرفع إنتاجه، وتعيد النظر في إدارة الموارد البشرية، وتؤمن حياة كريمة للنساء والأطفال المعوّقين، والأطفال الذين غادروا مقاعد الدراسة للتسول.

ملايين الدولارات، وآلاف المنح والمشاريع التي وصلت فلسطين، كلها معًا لم تكن كفيلة بأن تهب شيئًا لمعالجة قضية التسول، ليستمر الغني في الصعود، وليزداد الفقير فقرًا، ويقتات على الاثنين متسول يزيد من شهيته آلاف الأيدي البيضاء التي لا تتردد في منحه شيئًا ولو فتات دون تقصٍ أو مساءلة.

7 جمادى الآخرة 1439هـ

24 كانون ثاني 2018مـ 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *