قراءة في كتاب: مفاتيح للتعامل مع القران الكريم
مفاتيح للتعامل مع القرآن الكريم
د. صلاح عبد الفتاح الخالدي
دار القلم – دمشق
الطبعة الثانية
1415هـ – 1994مـ
176 صفحة
في رمضان تجلت رحلتي مع القرآن الكريم، بين محاولة فهم، وحرص على قراءة ما اتصل بالموضوع مما كان ضمن قائمتي لفترة طويلة، وبين بحث في تفسير الآيات في عدة تفاسير أيضًا كمحاولة للفهم والربط، واكتفيت بكتابة رؤوس أقلام للآيات التي استوقفتني وأجلت الوقوف مع الكتب، إذ هي رحلة لا يوفيها الاختصار في بعض فقرات لن تأتي على أبعاد ما تحدثه القراءة من أثر يستقر عميقًا، وينافس في حيزه وجود أفكار كثيرة خارج إطار علوم القرآن.
لخص الخالدي مفاتيحًا للتعامل مع القرآن الكريم تعين القاريء على العيش معه وفيه وبه بكل كيانه، وكافة مشاعره ودقائق حياته، مبتدئًا هذه الرحلة الشيقة بجولة مع أسماء القرآن وصفاته توضح تفرد هذا الكتاب، والحاجة للتدبر سبيلًا للتخلص من أقفال القلب، وحيازة لبعض جوانب الحكمة التي يقتطفها من يطيل العيش مع القرآن كما يريد الله، وإنفاذ حكم الله على الأرض وبين الناس، فهو وسيلة لإحقاق الحق.
ثم عرض لوصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للقرآن، وهي في المجمل أحاديث يطيب للمسلم التميز بها، والشعور بما جاء فيها، والحرص على بلوغ الأجر المقر فيها، وانظر حالك إذا قرأت حديث (اقرؤوا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام المدح يتعجلونه ولا يتأجلونه)، يُقصد به تجويد القراءة مط الصوت بها وتفخيم المخارج وذلك طلبًا للعاجلة (الدنيا) لا الآخرة، وحض رسول الله صلى الله عليه وسلم على قراءته ما ائتلفت القلوب عليه، لأن القرآن لا يُتدبر وشواغل الدنيا حاضرة، ولا في انصراف القلب عنه في معناه.
وجولة أخرى في عبارات عن القرآن لأهل القرآن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين، الذين فقهوا وعملوا بما جاء فيه، وحازوا من فضل السبق ما حازوا، وكلها تدعوك للتأمل، وتكشف لك حالك، وحال واقعك، فالعبرة بالعمل لا الاستظهار فقط، واستكمالًا للفكرة قدم الخالدي في باب آخر خطوات متدرجة لفهم القرآن والتعامل معه، ونصح بضرورة وجود ثلاثة أوراد يومية لازمة للمسلم لا يتخلف عنها أبدًا: وِرد تلاوة لا يقل عن ختمة شهرية، ووِرد حفظ لآية أو آيتين يوميًا، ووِرد تدبر لما يحفظه يوميًا.
وقدم الخالدي لثمانية عشر أدبًا من آداب التلاوة تغطي اختيار الزمان والمكان المناسبين، والطهارة، والاستعداد للتلقي والانصراف عن شواغل الدنيا، والنية، والتأثر، وتعظيم المتكلم، والتركيز في الفهم، ثم تناول النظرية الحركية لتدبر القرآن التي أسس لها سيد قطب رحمه الله، ومن النصوص التي قدم لها في الظلال: (الحياة في جو القرآن لا تعني مدارسة القرآن وقراءته والاطلاع على علومه، إن هذا ليس “جو القرآن” الذي نعنيه، إن الذي نعنيه بالحياة في جو القرآن: هو أن يعيش الإنسان في جو، وفي ظروف، وفي حركة، وفي معاناة، وفي صراع، وفي اهتمامات كالتي كان يتنزل فيها القرآن …) الظلال [2 /1016-1017]، هذا النص ذكرني بالعلاقة البكر مع القرآن الكريم، حين تفعل تلك الحياة فعلها في حياتك حتى تنتصر في معاركك الصغيرة وتبحر في اليقين وكأن الحقيقة تتجلى أمامك.
وإعانة للمقبلين على كتاب الله قدم الخالدي أخيرًا لسبعة وعشرين مفتاحًا، في كل منها عدد من الفوائد، تركزت في النظرة للقرآن وشموله، والالتفات لأهدافه الأساسية، وكيفية التعامل مع النصوص والمرويات حول آيات الكتاب، والثقة به، والدخول إلى عالمه، وتحرير النصوص من قيود الزمان والمكان، وملاحظة البعد الواقعي له، وتسجيل الخواطر والمعاني لحظة ورودها، والتمكن من أساسيات التفسير.
وهو مع ذلك كله يهدف للوصول للغايات من العيش مع كتاب الله وتدبره وتأمله وهي: الهدى، والحياة الحرة العزيزة، والسعادة.
فاللهم ارزقنا الحياة في القرآن وبالقرآن ومع القرآن، واجعله لنا نورًا وهدى وسعادة.
16 ذو القعدة 1439هـ
29 تموز 2018 مـ