عام

أولاد “المشايخ”

Views: 764

أولاد “المشايخ”

لعل من أصعب ما في هذه الحياة أن تُكبَّر عليك العيون وتُسَن الألسنة فإن أحسنت فهو من فضل أبيك وإن أسأت فهو من عقوقك لأبيك أو قلة تربية أمك في غياب أبيك، ويأبى المجتمع إلا أن يبرئه ويتهمه في ذات اللحظة ! ..

لا أكتب نيابة عن أبناء “المشايخ” ولكني واحدة منهم، وأعرف ما يختلج صدور كثير منهم، ممن يرفضون وصاية المجتمع عليهم، هذا المجتمع بأفراده وبيوته الذين يتركون العفن في بيوتهم ويتفرغون “لتشميس” بيوت “المشايخ” ..

أعرف أن ابن الشيخ الذي لم يختر لنفسه أن يكون ابنه؛ يكره أن يحاسَب وأن يعيَّر بأبيه ..
وأعرف أنهم يريدون أن يعاملهم الناس ببشريتهم .. يخطئون ويصيبون .. يذنبون ويستغفرون .. يعصون ويتوبون ..
وأعرف أنهم لا يريدون أن يشعروا للحظة أنهم امتنعوا عن شيء أو أتوه لأجل الناس؛ لأجل رضاهم أو سخطهم .. والحقيقة هو الهرب من سلاطة ألسنتهم وعدساتهم المكبرة ..

وعلى الجانب الآخر؛ الآباء الذين اختارهم الله لخدمة دينه ودعوته؛ لينتصبوا بين الناس أئمة يرشدونهم للخير ويقدُمونهم في الجهاد والتضحية ويثبتون حين الفزع ولا يتوانون عن خدمة المحتاج ..
هؤلاء الذين ليس بالضرورة أن يكونوا قد درسوا العلم الشرعي ولكن أُلبسوا لقب “الشيخ” لميول فكرية والتزام بمناحٍ إيمانية وسمْت معين ..
هؤلاء الآباء الذين يعرفون أن من ابتلاءات التكليف أن يتعرضوا للرقابة فإن غاب سلطان الضمير وجِد سلطان البشر ليس لأجل البشر بل ليتذكروا في كل لحظة أن هناك مهمة كُلفوا بها ولا تنتهي إلا بموت أو تحول عنها! ..

هؤلاء الآباء يتألمون من بنيهم ولأجلهم؛ لأجلهم لأن هذه الألسنة والعيون لن تُفلتهم مهما فعلوا، ومنهم لأن بعض الأبناء لا يدركون حقيقة رسالة أبيهم وما يجب أن يكون عليه بيتهم ضمن إطار رسالة عامة: الإسلام؛ كيف يكون روحًا ومنهجًا في القول والسلوك ..

ربما لا يدرك كثيرون أن المرء كلما ترقَّى في المراتب ارتفعت قيمة الضريبة؛ فالأنبياء أشد الناس ابتلاء، وأمهات المؤمنين ضوعفَ لهن العذاب ضعفيْن، فكيف لمن يخلع عليه الناس صفة قدوة وينظرون له بإجلال أن يُفلت من ضريبة هذا شكلها؟! ..

وفي نفس الوقت لعل هؤلاء الآباء قصروا حين لم يبذلوا ما يكفي لتحبيب أبنائهم برسالتهم وبغرس مفاهيم حول القدوة والثمن وكيف يكونوا نبلاء حقًا في زمن ننزف فيه من كثرة الطعون ..
لعلهم قصروا في المتابعة وافترضوا أن ذلك يأتي من طبيعة حال حياتهم كأسرة؛ فانشغلوا فأفلتت منهم حلقات ..

أبناء وبنات المشايخ أكثر مَن يحتاجون الرفق والتلطف بحالهم ولا يعتب من نطلب منه الرفق فيعلق بـ: (لستم من المؤلفة قلوبهم)! فتلك القسوة التي تفترض أن كل أمورهم تمام في كل الأحيان أورثتهم نفرة ممن نصبوا أنفسهم شرطة على الناس ..

ولمَن يذكر أحدًا بسوء ولو في نفسه: اتق الله وانظر لنفسك فإنك تلتقِ بأمثالك ..
دعوهم وشأنهم والتفتوا لشؤونكم .. فإن أصلح كل منا حاله سنبني مجتمعًا متينًا وواقعًا أفضل بإذن الله ..

اللهم اهدنا واهد بنا وردنا إليك غير خزايا ولا مفتونين ..

ملاحظة:
السطور السابقة لا تعبر عن مشكلة أو حالة معينة حتى لا يغرق قارئ في التأويل؛ لكنها مشكلة عامة تحصل كثيرًا ويواجهها كثيرون ..

إسراء خضر لافي
24/ربيع ثاني/1435هـ
24/شباط/2014مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *