عام

التضادُّ المتوازن

Views: 929

التضادُّ المتوازن

أ.محمد أحمد الراشد

تمييز لحشد الأقدار الربانية المحركة للحياة

والتأمل في حكمة تعاكسها وتناحرها

ورصد ظواهر النقصان والترهل والضعف والحيرة والانهيار

مع اكتشاف ثُقل العمل العقلي وخفّة التحليق العاطفي

لكن الله أنجد عبادَه بالدين الواضح خارج محيط الفلسفات

وأرشد إلى النهي عن الفساد في الأرض

ثم امتنّ على الناس بختم النبوّات بمحمد عليه الصلاة والسلام

وأودع السكينة في النفوس المؤمنة فتعاطفت

وخلق لها الخيال لتزداد به خيرًا

التضادُّ المتوازن

–        فبعض الحركة الحيوية لا تتم دفعة واحدة، أو في وقتٍ متقارب قصير، وإنما يلزمها مكوث طويل، وقطع مراحل، وتراكب حركةٍ على حركة على حركة، ثلاث مرات وأكثر، لتصل إلى حد الزخم الناقل والإنجاز الكامل، وربما تظهر في الطريق موانع وعوامل تقييد وتحديد تلزمنا أن نفتش عن مسارب تملّص منها والتفاف عليها.

 –        .. بلوغ الأمور الكبيرة يكون ، بأن لا تعبس، ولا تبدأ بجد محض، لئلا تنفذ ذخيرتك منه قبل الوصول وتستهلك الرصيد.

احتباس حركة الحياة في إطار مغلق تحصرها الأقدار فيه

فمن هذه الظواهر التي تمثل أقدار الشر الشديدة الوطأة:

–        ظاهرة ابتلاء المؤمن،..، فالمؤمن مهما تعمق إيمانه وحصل التزامه بالشرع وأخذ بالأسباب الدنيوية إلى درجة الإتقان والمثابرة، وجمع وعيًا وتجربة تبعده عن الخطأ في ظنه : فإنه يبقى غير كامل التمكين، إلّا في المرحلة الأخيرة من حياته ربما، وأما قبل ذلك فهو خاضع لقَدَر المحنة، ويتسلط عليه ظالم، ويفتقر، ويؤذيه حاسد وجاهل، أو تعاكسه زوجة، أو يغشه بائع، أو يخونه صديق وشريك، أو يطعنه قريب، أو تنزل عليه جوائح وأمراض، ….، بل البلوى على الأمثل الأقوى أشد، وعلى الأوعى والأسخى.

 –        ظاهرة عدم الوصول إلى الكمال التام، فنجد التقي الشجاع تشوبه شائبة الغضب في أخلاقه، والفقيه الذي جمع كل العلم يرتكس في بخل، والمؤمن الداهية السياسي اللبق يخدعه بَليد يومًا ما، والعاطفي الإغاثي الذي امتلأ قلبه رحمة وشفقة يمنع باب خير ينتفع منه ولي من أولياء الله، والخطيب المصقع يُرتَج عليه أحيانًا، والنحوي النبه يلحن بعد ثلاثين سنة من كمال مراعاة الخفض والرفع، وتريد واحدًا لا تسجل عليه ملاحظة سلبية فلا تجد، وتفتش عنه بالعدسة المكبرة فيضيع، وتعجز عن الإتيان بمَثَل للكمال، وتستعرض ألفًا من إخوانك وأقرانك وأساتذتك وأهل النجابة والنبل الذين التقيت بهم في حياتك، ثم تريد أن تستثني منهم واحدًا لم يرتكب الخطأ: فلا تجد، ثم تنظر إلى نفسك فتستحي من فعلات نكرات هجمن عليك بلا استئذان، فسبحان مَن تفرّد بالكمال.

 –        ظاهرة تأمير المفضول بوجود الفاضل، ….، وكل الاختيارات تقوم على تقديم العنصر الوسطي الذي ترضى عنه كل الأطراف الدعوية، ومَن هو قاسم مشترك، أو الذي يُعجَب به الناس والعامة، وما من أحد إلا كانت المهمة أكبر منه، وفي معيته مَن هو أكبر منها، ولكن يحصل صدود عنه، لتأويل مقبول أو موهوم، ولا ينقض هذا الاطراد ما عليه العنصر المؤسس للدعوة من امتياز، لأنه مؤسس ولم يختره أحد، وإنما حديثنا عن الاختيار أو االتغلب، فإنه لم يحصل تمكين الأمثل الأوفر شروطًا، وإنما يظهر عليه مَن هو أقل منه علمًا وعقلًا، …، وهذا من أعجب الظواهر، فإنّ الفتوى في التوليات تقوم على طريقة سدّد وقارب، وعلى أسلوب وجوب إرضاء الجميع، لا على أن ثقة الأمين تدحض كل تطلّع، ولا على مفاد فقه التوثيق.

 –        إيداع الله المال في يد البخيل وقليل الوعي، والأناني الذي لا ينظر لمصلحة المجتمع، والسفيه الذي يستعين به على طغيانه وظلمه، حتى قال العامة في ذلك أمثالهم أن الكافر مرزوق (!)، ….، فالكل يلعب بالمال، إلا الدعوة الفقيرة، وأكثر مشاريعها تخسر، ثم لو اغتنى مؤمن فطفق يتبرع ويوزع الصدقات: فإنه ينفق على مسجد ويتيم، فإذا أردت منه أن يُسند خطة دعوية وسياسية وإسلامية : حار وأبطأ وأخرج القليل، ولم نر الثري الواعي بعد.

 –        ظاهرة تعجيل الذبول والترهل وقلة الناتج، واجتماع السلبيات وحصول التأخر، والسير البطيء أو السريع نحو قَدَر الموت المكتوب على البشر والحيوان والنبات….

 حين لا ينفع ذكاء .. وتحتشد الصغائر لتعصِف

/ سأورد النص كاملًا/

وتكاد توازي وطأة الموت : أثقال مجموعة الأقدار الصغيرة الكثيرة التي تغص بها حنجرة حياة كل إنسان، بل كل حيوان ومخلوق، وإلا فما بالك بغزال يتبختر فيأتيه سهم صياد فيفور دمُه؟ وقد كان يعطش قبل ذلك في الصيف الحار فيكسر صفائح الصُبير يمص ماءها، فتدمي أشواكها جوانب شفتيه؟ وهذه هي الأقدار الصغيرة التي سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث “حصار الأمل” : الأعراض، ونحن نعيش مهرجان الحياة، والركب يسير، ولكن يتأخر مريض، وينزوي مفلس، وينزف جريح، ويتوارى مفضوح، ويهرب مطلوب، ويتقيد مظلوم!!

والابتسامات قريبة، ولكن لم يذقها تاجر يخسر، وينساها نجيبٌ عقّه ولده، ولبيب حساس عيّروه، وذكي تسلط عليه بليد، وشجاع يسترزق من خدمة جبان، ومبدع سًرًق منه دعيٌ ما ابتكر!

……

فكل هؤلاء هم في منظر الحياة، في كل جيل، في كل يقعة، وهم يمثلون سلطان ” الأعراض” وقوتها العارمة في نقض الكمال، وطعن السرور، وتنغيص أيام الناس، وقد تتحول أحيانًا إلى اضطراب نفسي عارم إذا كثرت معاصي الناس وألوان فسادهم، وإلى جفاف روحي يجتث السكينة، فتغلي القلوب ثم تتغلف بالران المذكور في قوله تعالى : “كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون”، وتحصل حالة احتباس حراري داخلي في كثير من أحوال الأفراد، تؤدي إلى اختناق المجتمع ودخوله متاهة من الحياة المادية الصرفة التي لا تخالطها عاطفة ولا رحمة، ولا يكون فيها معروفٌ ولا رمز معنوي، ويقوم الداعية بالأذان في مثل هذه الازدحام والموج المتلاطم، حتى يصحل صوته وييبس ريقه ولا يستجيب له غير النفر القليل، فيفهمون أن وظيفتهم لا تتعدى مواصلة سَنَدَ الخير أن لا ينقطع، ةتمثيل الإيمان إلى أن ينتقل إلى جيل لاحق.

 وقدر شر سابع تمثله  الحَيرة في ساعة العسرة، وعند مفاصل الطريق، وهو سوء ما يزال غموضه لا تفسير له، وكأن العقل تطبعه طبيعتان :

طبيعة تختار له الحد الأدنى من التشغيل ، بمقدار ما تسير به أمور الحياة الضرورية المعتادة وتقوم به علاقات الخدمة المتبادلة بين الأفراد في المجتمع الواحد.

ثم عقل آخر في حدّه الأعلى، يرسل اللمعات، فتكون النقلات، وتتمثل المحنة التي قيدت البشر وحصرتهم ثم تفرض عليهم الحيرة في وقت حاجتهم لدليل ومؤشر يعين على صواب الاختيار : في أن هذه اللمعات عزيزة تتمنع، وقد يطول سباتها، ولا تستطيع قوة أن تفرض عليها الظهور والومض، بل يلزمنا انتظار لها، وقد نستعمل أشد الحث، ثم لا تشفق علينا، حتى إذا ذهب وقت الحاجة لها : كشف حجابها، وأرتنا الصواب بعد ارتكابنا الخطأ، وكأنها تسخر منا، وتريد إعلامنا أنها أقوى منا، وأننا الأضعف، ونظل بحاجة إليها، ولو رأينا غَنَجها وإدلالها بعين التحليل لاتضح لنا أنها لا تملك نفسها، ولا حرية لها في تعيين ساعة شروقها وغروبها، وإنما هي مُسَيّرة غير مخيّرة، مثلنا تمامًا، ولكن الله الذي خلقها ويجعلها تومض هو الذي يأذن لها بظهور وحضور، بتقدير منه محض، وهذا القَدَر الرباني يقتفي طاعتنا وعباداتنا، فتتوارد أنواع خيرات، ونِعَم كثيرة علينا، ومنها هذا العقل اللامع المتقد الذي يمنح الابتكار والإبداع والحلول وعموم الصواب، ثم يرصد عصياننا وإعراضنا والكسل والظلم، فيمنع ويجعل انتظارنا طويلًا، وتكون اللطمات بدل اللمعات، وكل ذلك بحكمة وعدل وميزان وعدل، وذلك يعني أن العقل الثاني البارع إنما يرفده الإلهام الرباني……

 الفِكر ثقيل .. فاصبر .. وسَبِّح بدل الأنين

قَدَر ثامن : استئسار مواقف كل أحد لعقيدته ومفاهيمه وتصوراته، بحيث يكون موقفه تابعًا لها ومنطلقًا منها، وهي تملي عليه ويطيع، وتأمر فيكون منه التنفيذ، ومجموعة أفكاره وانطباعاته تقوم من موقع خلفي بتسييره.

هذه الظاهرة تجعل الفكر هو محور التبديل والتغيير إذا أردنا موقفًا مغايرًا، والفكر يستدعي التفكير والتأمل والنظر الاستئنافي في الحصيلة والموجود المتراكم، وتكون البداية في ذلك :

–        إقرار الحياد الفكري

–        الاستعداد لقبول نتيجة التفكير من دون استمساك بالفكر السابق

العقل السليم يقود إلى التوحيد دائمًا

إيمانٌ يتأسس على وعي ومن خلال تفكر : خير من إيمانٍ تقليدي لا يفهمه صاحبه.

 علينا أن نلتزم ما يلي :

  1. 1.     تداول الفكر والقياس والنحو المنطقي
  2. 2.     تعليم الناس ذلك، وجعلهم يفكرون، فينفتح باب ولاء الناس لنا وفهم مواقفنا ومشاركتهم لنا

 

[ وجوب توازن العقل والقلب ]

  • Ø      يتأخر الجهد الدعوي في إبداء نتيجة طالما أن الداعية لا يمارس عملية تعليم الناس “التفكر” بكثافة، وطالما أنّ الدعاة يكتفون بالأسهل.
  • Ø      العواطف حق ولكن إن توازنت مع لغة العقل.

 

العقيدة نبع في صخر راسخ … والفكر نهره المتلوّي

المسيرة واحتلال المكان : عمليات مستمرة لا يوقفها أحد مهما ربأ؛ لأنه أمام ظاهرة نسميها التغيير، وأما الثابت فهو جزء من لافكر آخر جاء به الدين، وجعل الله له ثقلًا، فصار له أثرـ ورسى، فما تلعب به أمواج.

لكنّ القِطعان تخوض … فيخبط ماء الفرات

الظاهرة التاسعة : التنغيص على المؤمنين يتعدى أن يكون في صورة انقسام المجتمع إلى مؤمنين وكافرين، أو مؤمنين وأهل فسوق، إلى أكثر من ذلك، في صورة انقسام الصف الإيماني إلى صحاح العقيدة والفقه، وإلى مبتدعة تنحرف بعض عقائدهم، ويلحق ذلك خطأ في الاجتهاد والفقه، والسبب في ذلك هو (التأويل)

–        وهنا يتحدث الراشد عن التأويل المُفضي إلى البدع والذي قد يقع فيه مَن ذخيرتهم الفقهية ضحلة في مواجهة يقحمون أنفسهم فيها!.

 نجدة خيرية معروفية … بعد غزوة القوائم الإحباطية

فيما سبق كانت ظواهر قدرية في جانب السلب وقد يفهم القاريء لها أو المتبصر فيها أنها شر، وهنا نعرِض لما يُقابلها من أقدار خيرية :

–        تبدأ القصة بإنزال الله تعالى الشرائع ودين الإسلام علينا، ومِنته علينا بأن جعلنا مؤمنين، فوضح لنا الطريق مع اول يوم من الرشد والتكليف وتحمل المسؤولية، فلا يحار المؤمن ولا يضطر لتجريب؛ بل المسلم ابن دون العشرين سنة يرفل في بحبوحة من العقائد الصحيحة، والرؤى الفطرية السليمة، والحكمة العميقة، يما يكون منه من التزام شرعي، فينحسم أمره تمامًا بلا وسوسة، ويعتدل، ويترفع عن ظلم وخيانة وفسوق، ويتجلى بأذواق وأخلاق…

–        المجتمع المسلم، والمجتمع الدعوي بشكل أدق وأوفى : هو مجموعة رجال ونساء على هذه الشاكلة من الرفعة والبراءة من التلوث المعنوي والبدع، وذلك يمنح أسبابًا للتفوق العقلي والنفسي، وأشكالًا من الاستعداد للتفوق المعرفي والعلمي إذا توفرت الأسباب المادية.

–        الاستدراك على حالنا ممكن من خلال تعاهدنا على إعادة الحرية، وعزل الظلم والظالم، وإقرار الحقوق السياسية والمنع من التعذيب وإتقان الأخذ بالأسباب، وعلى رأسها جميع العلوم التطبيقية من فيزياء وكيمياء، وما تتلبسان به من صور تنفيذية هندسة، ثم جمع المال والعودة إلى عمران الأرض بالصناعة والزراعة ومقتضياتهما، وكل ذلك إنما يكون بمنهجية شمولية، سياسية وتنموية، والفِكر هو الطريق لذلك.

–        مهمة الدعوة الإسلامية : أن تجمع الجهود وتنسقها وتقودها، وهي تملك أكبر قَدَر خير في الحياة: الإيمان والشريعة، وذلك هو قول الله تعالى : “رَفِيع الدَّرجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِه عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاق” غافر/15

–        فقه العمل الدعوي الإسلامي هو المرشح الوحيد في الساحة لعلاج هذا الخلل وسد هذا النقص، بما يحمل من فكر سياسي يجعل قضية الحرية قضية بؤرية مركزية في الخطة الإصلاحية التنموية، وبما يوفر معها ما يوازيها من عقيدة توحيدية نقية تكبت قلق النفوس، وأيضًا : بما يقدم معها من نماذج علماء مؤمنين على جانب عظيم من الأخلاق والتوازن والتجرد والبذل والإيثار ورفيع الأذواق، …

–        جعل الله تعالى “النهي عن الفساد في الأرض” أحد المظاهر الدائمة للعمل الصالح على مدى التاريخ:

(خلاصة تجربة)

  • ·         حزب العدالة بقيادة أوردغان لم يتنكر للعمل الإسلامي الذي بدأه أربكان، وإنما آمن بأن “الحرية” هي المنطلق للنشاط الدعوي والنهضة الحضارية التي بيتغيها:
  1. 1.     منح الحرية للناس
  2. 2.     ثم للعمل الإسلامي
  3. 3.     إزالة الفساد والطبقة المفسدة
  4. 4.     لتصل الدعوة إلى درجة من الاستعداد والانتشار والغني واستكمال الصنعة القيادية والسياسية.

ثم ليكن بعد ذلك التفكير بمرحلة ثانية فيها جهر بالإسلام ومصادمة الفكر العَلماني.

وهذه الفلسفة السياسية الإسلامية لا يأباها المنطق الشرعي فيما أرى (الراشد)، ويمكن أن تكون اجتهادًا يسع القيادي المسلم أن يقول به ويستند إليه، والمسيرة الدعوية في كثير من بلاد العرب وغيرها بحاجة إلى اقتباس مثل هذه الفذلكة، والعكوف على تأسيس بيئة الحرية اولًا، وتحجيم المخابرات بعد تمددها وعبثها وبعثها الخوف في قلوب الحكام بالباطل.

 

–        وقدر ثانٍ : أنّ الله اختار النبي عربيًا، وصحابته عربًا، وأنزل القرآن بلغة العرب، فصار العرب هم المعدن الأول للإسلام وأساتذة الشعوب الأخرى، فكفل الله بذلك عدم امتزاج العقيدة والشرع بفلسفة أرسطو وأفلاطون لو أنزله في اليونان، والبراءة من فلسفة زرادشت وكونفوشيوس لو اختار الفرس وأهل الصين لذلك، ..

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *