عام

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

Views: 1340

الكتاب: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

المؤلف: عبد الرحمن الكواكبي

عدد الصفحات: 193

تقديم ودراسة: أ.د.أسعد السحمرائي

دار النفائس، بيروت، لبنان

الطبعة الثالثة: 1427هـ-2006م

المؤلف:

عبد الرحمن الكواكبي (1271هـ/1849م – 1320هـ/1902مـ) ولد في حلب وتوفي مسمومًا في القاهرة، عاش في تركيا ثم عاد للعمل في حلب فمصر.

وقد عاش في فترة تزامنت مع ضعف الدولة العثمانية، ومنحه تنقله بين الوظائف والأمصار، وتعرضه للظلم من خلال إيقاف جرائده التي يصدرها، سعة النظر فيما يكتب.

وبالنظر لمجالات عمله في الإعلام يمكن أن ندرك وعيه لأهمية هذا المجال، أما عن عمله التطوعي في كثير من المحطات فهذا يُدلل على علو همته وغايته.

بين يدي الكتاب:

قصد الكواكبي في بحثه تشخيص الداء الذي تعاني منه الأمة الإسلامية؛ إذ شغل البحث حول أسباب انحطاط المسلمين الباحثين في عصره، وقد استقر لديه أن أصل الداء هو: الاستبداد السياسي.

وقد تناول أمثلة كثيرة تاريخية من الغرب والشرق مما يُبقي المجال لمزيد من الأمثلة والنماذج في الجانبين الإيجابي والسلبي.

وقد استعرض في كتابه الاستبداد وأوصافه، مبيِّنًا أشد مراتب الاستبداد في تقديس الرتب وسلسلة الألقاب، ثم تناول الاستبداد في مجالات مختلفة:

  1. الاستبداد والدين: وأنكر هنا وجوب طاعة الظالمين، مستنكرًا على فقهاء نادوا بتقديس الحكام “حتى أوجبوا لهم الحمد إذا عدلوا وأوجبوا الصبر عليهم إذا ظلموا”، مائلًا إلى الإسلام وترفعه عن الاستبداد بالشورى وآلياته الأخرى، مستعرضًا لمظاهر تتبع النصارى، ومبيِّنًا لبعض ظواهر سبق إليها كتاب الله عز وجل مما اكتُشف حديثًا معلّلًا عدم تبيينه من المفسرين لخوف ما تملَّكهم.
  2. الاستبداد والعلم: قابل فيه بين العلم والجهل، وكيف أن الجهل أساس استمرار استبداد المستبِد الذي “ليس من غرضه أن تتنوَّر الرعية”، فالمستبد يكره العلم ويكسب من الخوف الذي يجره الجهل على صاحبه، وقد بيَّن بعض أنواع العلوم التي يخافها المستبِد والتي لا يخافها.
  3. الاستبداد والمجد: تناول ما بين المجد والحياة، وفروق أصناف البشر أمامهما، ثم تحدث عن “التمجد” والإدارات المستبدة واستبداد الفرد، وعرض لسلوك المستبِد مع بعض أصناف البشر.
  4. الاستبداد والمال: وقد ركز فيه على أنواع المال، والهدف من تحصيله، وبين غريزة الحيوان والإنسان، وبين أكل لحوم البشر حقيقةً وكيف صارت تؤكل بالظلم، وأهمية المال في مقابل الأخلاق، وكيف أن طريق الاستبداد يبدأ بانحطاط الأخلاق لتحصيل المال ثم تمثل الاستبداد، وحذَّر من الأغنياء في الحكومات العادلة عنهم في الحكومات المستبدة.
  5. الاستبداد والأخلاق: بدأه بتوصيف لحال دقيق جدًا وُفِّق فيه، ثم بيَّن كيف أن من طبع الاستبداد قلب الحقائق، ووضح دور السياسة في الأخلاق خيرًا أو شرًا، واعترض على بعض المقولات المتداولة التي تعزز للاستبداد مكانته وتُحجم الناس عن الصدع بالحق؛ منها: “إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب” و”البلاء موكول بالمنطق”، ثم تناول وصف الاستبداد وكيف أنه حتى سبب في التهاون بالدين، وأوضح صعوبة إصلاح الأخلاق وحاجتها إلى الحكمة البالغة والعزم القوي، وقد فرق بين الالتجاء للدين سطحيًا أو إيجاد الهمة الحقيقية للتغير المستعينة بالدين، فالصلاة لا تنهى على الفحشاء والمنكر بمجرد أدائها بل بالعمل على منعهما.
  6. الاستبداد والتربية: بيَّن فيه أن التربية مَلكة قائمة على التعليم والتمرين والقدوة والاقتباس، وفصِّل مراتب التربية وشكلها منذ الأنفاس الأولى للوليد وما يرافقها، وكيف تقوم الحكومات بالتربية، وعرض لحال الذين يعيشون تحت وطأة الاستبداد وكيف يفرغون غضبهم، ثم خلص إلى أن التربية بالإقناع خير من الترغيب والترهيب.
  7. الاستبداد والترقي: تحدث عن حال الفرد وصلاحه وتأثير ذلك في صلاح المجموع، ثم بيَّن أن الإسلام إذا فهمناه من مصدره فإن ذلك ينعكس على السلوك والخُلق والفكر، ووجه رسالة طويلة يخاطب فيها الناشئة تحت عنوان “ما هو الترقي وما هو الانحطاط”، وبيَّن في كلمات عشر ما يجب أن يحمله الناشئة لبدء التغيير في واقعهم، ثم عرض لحياة الأفراد كيف تكون في ظل الحكومات العادلة.
  8. الاستبداد والتخلص منه: هنا قدَّم رحمه الله 25 مبحثًا ضمَّنها تساؤلات هامة وخيارات واضحة كل منها يمكن أن يُفرد في دراسات ويخلص منها لتخطيط وتنظيم يغير حال المجتمعات، وفي كل تساؤلاته كان يقدم خياريْن: أحدهما يُديم الاستبداد ومفرزاته، والآخر يقدم رؤية بحاجة لخطوات عملية لتحقيقها، ثم وضع ثلاث خطوات كإرشادات لدفع الاستبداد كقواعد كلية، فصَّلها ووضع معها إرشادات لمن يرى في نفسه قدرة على قيادة التغيير، ولخص إشارات يمكن أن تكون شرارة الثورة على مستبِد، وحض على تكوين رؤية معلنة للتغيير، فالأمم مسؤولة عن أعمال مَن يحكمها.

ملاحظات على الكتاب:

–       وُفق الكاتب كثيرًا في توصيف الاستبداد وحال العباد معه، رغم الفارق الزمني إجمالًا ولكن الاستبداد والمستبدين غلب عليهم الطبع فكانت الطبائع هي ذاتها في كل زمان ومكان.

–       عرض أمثلة كثيرة من الشرق والغرب، وإن كان من تعديل فهي فقط حول مَن بحثوا في السياسة في القرن الأخير وخصوصًا في الشرق –حسب لفظ المؤلف- إذ كثر الباحثون في هذا المجال، إضافة إلى تعديل عدد سكان العالم الذي يدور حول 7 مليارات.

–       امتلك المؤلف روحًا عصرية تجاوزت الزمن الذي عاش فيه، فاستطاع أن يحدد معالم عامة لمواجهة الاستبداد، كما رسم صورة الفرد المستقل في ظل الحكومة العادلة، وتكلم بلغة تناسب عصرنا حين تحدث عن أهمية إعلان الرؤية أو الغاية وأن تكون الخطوات اللاحقة للتغيير واضحة فليس الهدف القضاء على المستبِد بل إزالة الاستبداد كله، وإشارته لوجود مَن ينوب عن الأمة واختيارهم، وتأقيت الحكم وغيره من المسائل تدلل على محاولاته الجادة للخروج من انتكاسة الأوضاع في زمانه.

–       كما امتلك روحًا عملية إدارية في النظر للأشياء، فهو رأى أن المال ليس حصرًا في النقد بل في كل شيء فالوقت مال، والدين مال، والعلم مال، والقوة مال…إلخ، وفي جعله الفرد محور التأثير والتغيير إن بدأ بنفسه وغيَّر حاله.

–       ورد في صفحة 40 قوله: “أهل الجزيرة العربية لا يعرفون الاستبداد” وهو قول غير دقيق فيما يُنظر إليه اليوم ومنذ عقود ووفقًا لطرحه حول الاستبداد فإنها تغرق فيما غرق فيه غيرها من الألقاب والتمجيد والفقر وغيره.

–       وقد اشترك المؤلف مع مالك بن نبي في دعوته المتمثلة في الحصول على الاستقلال والحرية الشخصية من خلال صنعة يتقنها المرء “لا يكون حرًا تمامًا ما لم تكن له صنعة”، وقد يكون ابن نبي نقل عنه.

–       أما استخدامه للفظ غربي وشرقي فربما لطبيعة نشأته في موقع متوسط لكليهما فكانت المقارنة حاضرة لديه إذ بين الثقافتيْن بوْن شاسع والواقع في زمانه بينهما كان يُمثل فجوة كبيرة.

لعل الكاتب كتب بألفاظ عصره ولكنه لم يقصد إسقاطها على ما وجه إليه المطالعين؛ إذ استطاع بوعيه وشعوره بالمسؤولية وإدراكه لأهمية ما يتناوله أن يصف لأجيال لاحقة حقيقة واقع ووصف خطوات تستحق النظر.

تمَّ بحمد الله تعالى

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *