عام

إضراب الأسرى وإحداث الفارق في الميدان

Views: 2593

إضراب الأسرى وإحداث الفارق في الميدان


لم يكن إضراب الأسرى الإداريين الذي بدأ متزامنًا مع إعلان حكومة الوفاق في نيسان مفاجئًا إذ سبقته تحضيرات في شهر آذار، والذي جاء للمطالبة بإسقاط ملف الاعتقال الإداري، من أسرى اكتووا بناره سنوات طوال، وهم يدركون أن حربهم سياسية.

ولعل الأسرى يدركون أيضًا أن هذا الإضراب ما كان سينتهي بالنتيجة المعلنة ولكنها محاولة لوضع حدٍ لمهزلة استنزفت أعمارهم وهممهم وعائلاتهم وحياتهم، كما كان يدرك الكثيرون ممن التحموا مع هموم الشارع ويعرفون ما يحتاجه؛ أن هذا الإضراب إن حقق استنهاض الروح الوطنية والهمّ الجامع لدى الناس فقد فعل خيرًا كثيرًا.

اختبر هذا الإضراب كنوع من أنواع المقاومة؛ كل المستويات من مؤسسات وتنظيمات وإعلام اجتماعي أو مرئي أو مسموع، وحتى أسرى في السجون.
فحضور المؤسسات الرسمية الممثلة للسلطة والأسرى اتسم بالخجل؛ يتقدم خطوة ويرجع أخرى، مترددًا يريد إن نجح الإضراب أن يحفظ ماء وجهه وإن لم ينجح لا يخسر من مواكبته شيئًا!

وبينما تصدرت حماس مشهد الفعاليات الدورية والمستمرة كان ظهور بقية التنظيمات خجولًا، يحاول المنافسة في مراحل الإضراب الأولى؛ ليسفر فيما بعد عن وجه أكثر لؤمًا؛ لا يريد أن يعمل ولا يريد لغيره أن يعمل؛ فبدأ التخذيل عن المشاركة بالفعاليات بذريعة الخلاف على رفع راية الفصيل أو العلم الفلسطيني، ثم دخل الخلاف مرحلة سواداوية تطاولت فيها أجهزة السلطة على المتضامنين مع الأسرى من قيادات قضت عمرها في السجون وشباب ذاقوا مرارة الباب الدوار في الاعتقال عند الاحتلال والسلطة، طال ذلك إلحاق الأذى بالنساء من زوجات شهداء وزوجات أسرى وبناتهم! وغابت أصوات الفصائل بشكل كامل إلا من استنكار لنقابة الصحفيين فقط، وقد غاب أيضًا صوت الحكومة التي عمرها من عمر الإضراب، وكذلك اختفت أصوات المؤسسات!

ورغم ما رافق الإضراب من صعاب وآلام؛ إلا أنه نجح في إخراج أهالي الأسرى عن صمتهم، وقد علمهم تخلي الجميع عنهم أن يديروا سفينة قضيتهم غير متكلين على أحد،؛ فما حكّ جلدك مثل ظفرك، وإن لم يتصدَ صاحب القضية لقضيته فلن ينوب عنه أحد بحملها.

تنوعت الفعاليات وعمل الكل من موقعه؛ نشطاء وصحفيين ومراكز أسرى وعائلات ونقابات، هذا التنوع غذى قضية الإضراب ووسع دائرة المتابعين له أو المشاركين فيه؛ حتى إن كانت بعض الفعاليات ذات بُعد إعلامي بالدرجة الأولى فحضور الهمّ لدى هذه الفئة لا يمكن الانتقاص منه.

أما أطفال الأسرى وأطفال المتضامنين الذي حضروا في معظم الفعاليات حتى تلك التي تخللتها مواجهة مع المحتل؛ فإنها أظهرت جيلًا مختلفًا لا يخاف، والذي يقف اليوم ليصرخ في وجه المحتل حاملًا ورقة، صارخًا (أعيدوا أبي)، على المدى البعيد ستترك هذه التجربة في نفسه أثرًا، وسيهديه التفكير ليطور هذه الجرأة لعمل أكثر تأثيرًا وقوة، فمن طفل يصرخ إلى فتى يرتجل في الجموع إلى شاب يقود المسيرة ويوجه الدفة طوال حياته تجاه التخلص ممن سبب له الألم وحرمه حقه في الحياة مع أبيه بلا تهمة.

وكان لإضراب الأسرى أثر تأخر في الظهور، تمثل في إذكاء روح المواجهات مع الاحتلال؛ ليرتفع عددها في شهر أيار وحزيران عنه في نيسان، وقد شهد أيار ارتفاعًا في عدد مرات إطلاق النار أيضًا،كما ارتفع عدد الشهداء في الشهرين الأخيرين إلى 12 شهيدًا.

ثم جاءت عملية أسر الجنود والتي تزامنت مع فعاليات الأسرى؛ لتكشف عن شعب متعطش لأن تكون عملية حقيقية، رافق الدهشة والتصديق طغيان روح الدعابة على مواقع التواصل الاجتماعي للتعليق على العملية؛ إلا أنها دعابة مشوبة بالحذر رافقها التحذير من الآتي، والدعوة لاستقبال الاعتقال، ورغم صعوبة الاعتقال إلا أن ما كان يخفف ألمه؛ أن تكون عملية وتنجح.

عمليات مداهمة وتفتيش وتخريب واعتقال بالمئات، رافقه تشكيك بالعملية وحديث عن استهداف حماس من داخل البيت الفلسطيني وكأن حماس لم تكن هدف السلطة على مدار عشرين عامًا، وكأن حماس أيضًا لم تكن هدف الاحتلال منذ نشأتها وقبل ذلك بأعوام منذ السلاح الأول 1983م!.

اختفاء الجنود وإيمان الكثيرين بأنها عملية مقاومة بالدرجة الأولى ساهم في إعادة الثقة لمن يؤمن بخيار المقاومة، وقوّى الثقة بالفرسان المجهولين، وأوجب التركيز كل في موقعه وعمله.

على المدى البعيد فإن عملية التنشيط للذاكرة وإحياء التاريخ تسهم في إعادة تشكيل الوعي لدى جيل غابت عنه معاصرة النماذج، وعلى مدار السبعة أعوام الأخيرة حدثت عدة عمليات نوعية مختلفة في الشكل والمضمون والنتائج؛ كل منها أسهم في رسم طريق مختلف، ولكن جميعها أكدت على أن من أراد أن يقدم شيئًا فعليه أن يسترخص الأثمان ويترك النتائج تأخذ دورتها كاملة في العقل الباطن وفي التاريخ المدون وفيما يتبع ذلك من رد فعل وتفاعل.

وكلًا من الإضراب والحملة العسكرية التي استهدفت حماس بالدرجة الأولى كشفتا حقيقة أن ما يراد للشعب ولفصائله هو التدجين، وكل من يحاول أن يترك المزرعة ويختط لنفسه طريقًا؛ فسيعاقب كم عوقبت وتعاقب حماس.

وقد غدت حماس كابوسًا للاحتلال حتى قال أن حماس احتلت الأقصى (جبل الهيكل بحسب تعبيرهم)، ثم السلطة اعتبرت أن الإضراب إضراب حماس وعلى هذا تصرفت تجاه أبنائها، ثم تُركت في الشارع فتارة خطف من أجهزة السلطة وتارة اعتقال من الاحتلال أثناء فعاليات التضامن، ثم اختفاء الجنود لتُتَهم أيضًا حماس، ولكن يبقى السؤال:
ما إعراب بقية الفصائل من معادلة تحرير فلسطين والمواجهة مع الاحتلال؟

حماس تدفع ثمن مبادئها، ومن ارتضى أن يحمل ذات المبادئ يدفع الثمن، ولا يُخاف إلا من الصادقين إذ كلماتهم تحمل معنى العمل النافذ قبل القول أو بعده.

وتبقى الأحداث العظيمة وحدها تُحدث فرقًا، وتملك أن تؤقت التاريخ من جديد لتصير علامة فارقة في جبين الأيام لا يشبه ما سبقها ما تلاها في شيء.

إسراء خضر لافي
04/رمضان/1435هـ
02/تموز/2014م

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *