عام

لماذا الهندسة؟

Views: 795

على قمة التخصصات المرموقة والمرغوبة تتربع الهندسة بجوار الطب، ويُنظر إليها نظرة احترام، ورغم أهمية كل العلوم والمعارف تتفرد الهندسة بمستوى مختلف يجعلها تتفوق على الطب ليس اقتصاديًا بل بجوانب أخرى سأتطرق إليها.

كثيرون يتوجهون إلى الهندسة بدافع أكاديمي أو اقتصادي أو اقتداء بشخص أو سعيًا لحل مشكلة ما أو فضول معرفي أو للحصول على اللقب فقط، وأيًا كان الهدف فإن رحلة الدراسة طويلة وشاقة، وليست حلمًا ولا تسلية، والحصول على اللقب هو تحصيل حاصل وأولى الثمرات لكل مَن ينهي السنوات الخمسة أو الستة، لهذا لا قيمة لجعله هدفًا.

أما الدافع الاقتصادي؛ فأيضًا يفقد قيمته في ظل التزاحم الكبير على المهن أو كثرة الخريجين، وتصبح الحاجة إلى حلول للتخلص من مشكلة البطالة أكبر أهمية من الحصول على وظيفة لمهندس أو غير مهندس، والاقتداء بمهندس فذ يتطلب جهدًا كبيرًا وفرادة في الفكرة التي يحملها صاحبها وتركيزًا، والدراسة بكل أحوالها ليست نزهة؛ فهي تأكل الكثير من جهدك، ووقتك، وعمرك، وأعصابك؛ قبل أن تقطف أولى الثمرات.

عودة إلى الهندسة؛ فهي الربط بين العلوم النظرية وتطبيقاتها من أجل خدمة الواقع والمستقبل، سواء بحل مشاكل قائمة بطرق منهجية وعلمية واقتصادية آمنة أو إيجاد حلول بديلة أو العبور للمستقبل وتطوير المجتمعات على اختلاف أنواعها وعلى اختلاف أنواع الصناعات، تعتمد على إنجاز العمل بأقل تكاليف، وأعلى كفاءة، وأقل وقت.

في الدراسة النظرية لا يمكن أن تستشعر ذلك، لكن يمكن أن تدرك أن الهندسة هي نظام تفكير.

هناك سؤالان مهمان على كل إنسان التفكير بهما:

الأول: قبل الحصول على شهادة البكالوريوس وهو؛ ما الذي سيضيفه هذا التخصص لي؟

الثاني: بعد التخرج أثناء المسيرة المهنية وهو؛ ما الذي سأضيفه على تخصصي أو مهنتي؟

والسؤال الأول مهم جدًا؛ فرحلة التخصص ليست عبارة عن الشهادة النهائية؛ بل هي تفاعل واحتكاك بين الطلبة أو مع المواد والأفكار، فقد لا ترغب في العمل بتخصصك ولكنك تكون اكتسبت الكثير من خيراته؛ فأنت كمهندس يعني أنك تمتلك منهجية في التفكير، وقدرة على تحليل المشاكل وإيجاد الحلول، منظم في وقتك وشؤونك، وأفكارك، تتقن الإيجاز والمباشرة، وتتجنب الاستطراد والإطالة، تستطيع العمل ضمن فريق، قادر على النظر للأمور بتجرد، وقادر على التكيف مع التغيير بمرونة، وقادر على تحمل المسؤولية، كما تمتلك القدرة على التعليم المستمر لملاحقة التطور الدائم، وقادر على المبادأة وصناعة فرق في المجتمعات، ولديك الجرأة في المجازفة، وقادر على العمل في مواقع تتطلب الجمع بين جوانب إدارية وتنفيذية وفكرية وأكاديمية، إلى جانب صفات أخرى.

فإذا كان المهندس لا يمتلك تلك الصفات فلم يصبح مهندسًا بعد، ومن يريد مستوى أقل من ذلك فليبحث عن تخصص بعيدًا عن الهندسة.

أما السؤال الثاني؛ ما الذي سأضيفه على تخصصي أو مهنتي؟ فأنت مَن تملك الإجابة عليه، هل ستعمل بشهادتك أم تكتفي بمنهج التفكير الذي تعلمته لتفتح لنفسك آفاقًا أخرى؟ وهل ستتفوق وتطور من نفسك فيه أم تكتفي بمجرد وظيفة تعتاش منها فقط؟

في كل الأحوال ليس المهم التخصص أو اللقب الذي تختاره حقيقة؛ بل ما ستكتسبه من صفات ومهارات، وما ستضيفه إلى نفسك الآن وطوال عمرك، ثم ما ستضيفه أنت لمجتمعك وتخصصك وكافة نشاطاتك، فاختر ما يناسبك وما يمكنك التحليق من خلاله أو بالاستناد عليه.

إسراء خضر لافي

5 شوال 1437هـ

10 تموز 2016مـ

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *