عام

المشاكل بين الزوجين

Views: 1027

البحث عن الفردوس في الحياة، عن حياة يسودها الهدوء والاستقرار، حلم مثالي غير موجود، تلك الرومانسية الدائمة في الدراما وأحاديث الحب وتأمل الحبيبين ليست الواقع، إنما الطبيعي حدوث المشكلات في أي عائلة، بين أي زوجين، حديثي عهد بالزواج أو تقادم رباطهما، ولكل البيوت أسرار، وليست الحقيقة ما تُظهره مواقع التواصل الاجتماعي، فكم من غزل ظاهر يُخفي ضغينة، وكم من تفاصيل مخفية وراءها جبال من الحب، لكنّ الحرص على كلام الناس يجعل من بعضنا يكابرون وفي حقيقة الأمر يمارسون نوعًا من الهروب والتزييف.

وجود المشاكل بحد ذاته ليس بالأمر الخطير، فهل يُعقل اجتماع شخصين من بيئتين مختلفتين اجتماعيًا وثقافيًا، ومختلفين في الفهم والتحليل، وربما في مستوى التعليم، مختلفيْن في الطباع والنظر إلى الأمور، ثم نتوهم عدم حصول الخلافات؟ يحصل الخلاف للاختلاف الطبيعي في أصل تكوينهما ومشاربهما، لكنه اختلاف حيوي، يُجبر بالحوار، والتعارف المستمر، يُجبر بمحاولة فهم الآخر، الأمر الذي قد يستمرًا عمرًا طويلًا في اكتشافات مستمرة لدى كل طرف، وتغيرات مستمرة بفعل ظروف الحياة التي مهما تشابهت عليهما تحت سقف واحد ستبقيهما مختلفيْن في تلقيها والتعامل معها.

فحتى البيوت الوادعة التي لا تذيع أسرارها بيوت تمر في محن واختبارات، ولكنها لم تصل إلى الطريق المسدود، وتلك البيوت التي جعلت من منصات التواصل الاجتماعي وسيلة للصراع ربما كان الستر سيجعلها قابلة للحل، فليس كل خلاف نهاية الدنيا، وليس كل خلاف يُحل بالإذاعة، خروج بعض المشكلات عن الحد المقبول هو ما يجب الوقوف على أسبابه، والذي أقف عند جزء منه في هذا المقال.

من أهم أسباب المشاكل بين الزوجين انعدام لغة الحوار، وهي الجسر الذي يغذي المودة بينهما، ويوضح وجهات النظر، ويقربها، إما لسطوة الرجل ورغبته في فرض رأيه وما يراه، وإما لتردد المرأة عن طرح رأيها، وفي مواقف أخرى، فإن الحدة في طرح الآراء تدفع بهما لعدم استخدام الحوار، إما لاستخدام لغة التجريح والإهانة وهذا فيه قلة احترام أو لكثرة اللوم والتقريع وهذا فيه سوء تقدير، فأي لغة حوار تجدي إن كان طرفيه على هذا النحو؟

السبب الثاني عدم الاحتكام لشرع الله في الخلاف بينهما، عدم تتبع سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي بيت النبوة حصلت خلافات، الحاجة ملحة للتعرف على آداب الحياة الزوجية، وعلى ما يرضي الله فيها، ربما يُنظر لهذه المسألة على أنها ليست من اختصاص الزوجين، ولكن الإسلام منهج حياة، ليس من اختصاص جهة بل هو حياة كل المسلمين وتطبيقهم للشرع وبحثهم عن الصواب فيما يُصلح حياتهم، لو أخذنا مثال مواقع التواصل الاجتماعي، لجوء الرجل للمحادثات مع نساء أجنبيات، ومحادثة المرأة للرجال، هل هذا يحفاظ على البيت أم يهدمه؟ لو حضرت التقوى لخشي الرجل الله في أهل بيته، وكذلك المرأة، فأي ثقة بين زوجين يقوم أحدهما بعلاقات خارج حدود الزوجية؟ متصل بهذا حدود الغزل بينهما على مواقع التواصل لو خضع لسؤال أهل الذكر ألا يكون أحفظ لستر البيت؟ وألا يكون أحفظ لبيوت أخرى تعاني جفافًا في العاطفة؟

ومن الأسباب أيضًا انشغال أحدهما أو كليهما عن شريكه بمواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك، وقضاء وقت طويل عليه، دون توفير وقت للحوار في البيت، وفهم مواقع التواصل بشكل خاطيء، فهي وسيلة وليست حياة تفرض عليك قضاء وقتك عليها، بيتك أولى بالملاطفة والمجاملة والحب والحوار، وقد نالت المرأة نصيبًا وافرًا من التعليق على سلوكها الناتج عن استخدام الفيسبوك كتصوير الطعام واستعراض المهارات، أو حرق الطعام لانشغالها به، إلا أن الرجل لم يُجرم بعد!

متصلًا بهذه المشكلة، غيرة الرجل من جلوس زوجته على الفيسبوك، حتى لو لم يكن يريد منها شيئًا، بعض الرجال يكره رؤية زوجته توازيه في الاهتمام والنشاط، وغيرة المرأة بالمقابل من جلوسه الطويل على حاسوبه أو هاتفه دون تبادل أي اهتمام إلا في مشكلاته خارج البيت.

السبب الرابع جلوس الرجال الطويل في البيوت، “التدجين”، حالة من الفراغ يعاني منها العاطلين عن العمل أو الموظفين في وظائف نهارية، فراغ الرجل مشكلة لأنه يتفرغ لأهل بيته، ينتبه للتفاصيل والوقوف على التفاصيل يزعج المرأة، فإذا به يلجأ لتضييع وقته على فيسبوك، وربما الأولى الحرص على صلة الأرحام، واستثمار الوقت في النافع المفيد، قراءة أو حوارًا أو فلاحة أو تجارة.

أما السبب الخامس فهو المقارنة، مقارنة المرأة نفسها بقريناتها وصديقاتها، وحتى المقارنة مع أحداث المسلسلات، مقارنة تخلو من الواقعية، بين واقعين مختلفين، وحاجات مختلفة، فهي لا تقارن حاجتها إلى غسالة أو ثلاجة بتوفرها لدى أخرى، بل تتجاوز ذلك إلى مقارنة في نوع السيارة، والماركة في اللباس أو أدوات التجميل، وغير ذلك من الأمور التي قد يراها بعض الرجال تافهة، ويراها بعضهم الآخر كماليات غير مهمة، ويراها آخرون عادية لكنها فوق طاقتهم.

وليس أخيرًا فإن من المشاكل ما له علاقة بالبناء النفسي، فامرأة تعيش مع أبنائها وزوجها ولكنها دائمة الشعور أن وجود الأبناء كان على حساب حياتها لا يمكنها الحصول على الاستقرار، وامرأة تفكر دائمًا في أنها كان يمكنها الحصول على زوج أفضل دون قناعة بقرارها أيضًا لا يمكنها الحصول على الاستقرار لها ولبيتها، ورجل ذو مال وبنين كلما رزقه الله شحت نفسه، وضاقت عينه، وتضخمت أناه كيف يريد الحب في بيته والتعاون والاستقرار؟

الخلاصة:

في ظل ما تم استعراضه على سبيل المثال من مشكلات فإن الحد المقبول لأي مشكلة زوجية هو ما يُحل بلغة الحوار، أما المشاكل المرتبطة بالعنف الأسري أو الإهانة والتجريح، فإنها بحاجة لمن يتدخل في العلاج، هناك مشكلات بحاجة لاستشارة مختص في الخدمة الاجتماعي أو استشاري نفسي، المهم الوصول إلى حل، وليس الحل عند كل مشكلة هو الطلاق أو الخصومة الطويلة.

البيوت التي تُبنى على الحب والحوار والاحترام، بيوت تحيا طويلًا وتدير خلافاتها بكفاءة ما لم يطرأ طاريء يغير أخلاق أحد الطرفين أو كلاهما، بينما البيوت التي تفقد الاحترام والمودة فإنها تفقد سبل الحياة.

وكل البيوت بحاجة دائمة لتجديد المعاني فيها، معاني الزوجية، معاني المودة، وكيف تعبر عن ذلك، بحاجة للوقوف أمام سيل الشعارات المزيفة التي أهدرت معاني الارتباط وقداسته، وجعلت منه مادة أو حاجة لها مدة صلاحية يسهل التخلي عنه.

15 جمادى الأولى 1439هـ

31 كانون ثاني 2018مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *