عام

اختيار الأصدقاء على فيسبوك: إنشاء مجتمع

Views: 1480

منذ ظهر فيسبوك كموقع تواصل اجتماعي مزيلًا للحواجز الاجتماعية والسياسية والجغرافية، تتلاشى عليه محورية الزمان ككل منصات التواصل الأخرى، وأعداد المستخدمين في ازدياد.

يُنظر لفيسبوك كمجتمع افتراضي له خصائصه التي ربما تفوقت على المجتمع الواقعي أو نقلت بعض تلك التفاصيل الحياتية إليه، ولكن في الحقيقة أنه كما كان الإنسان في واقعه يملك دوائر اجتماعية مختلفة ويديرها بنمط اجتماعي وأداء سلوكي يعكس طبيعته وأفكاره ورؤاه؛ فإن الأمر على مواقع التواصل بات أكثر تشعبًا وتعقيدًا؛ فكل صاحب حساب على الموقع يقوم بدور صانع أو منشئ المجتمع، من خلال سلوكه في اختيار الحشود؛ أصدقاء كانوا أو متابعين أو متابَعين أو صفحات عامة تمثل جانبًا من اهتماماته وأفكاره وما يؤيده في العموم.

يختلف الأفراد -منشئو المجتمع هنا- في عملية الاختيار؛ فمنهم من يضيف الكل بلا استثناء ويترك حائطه مفتوحًا للجميع، ومنهم من ينتقي بعناية ويحدد من يرى منشوراته أيضًا، وصنف ثالث ينتقي الأصدقاء ولكن دون أن يحدد الجمهور الذي يمكنه أن يتابع منشوراته واهتماماته، وبهذا تتنوع مساحة انتشار كل منشئ مجتمع بين الخاص والعام، وبين ملتزم الصمت، وبين كثير أو متوسط التفاعل.

عملية اختيار الأصدقاء تؤثر فيما بعد على عدة أمور: التأثير، الاتجاه، الحالة النفسية، فكلما زاد عدد الأصدقاء والتفاعل؛ أثر ذلك في انتشار أفكارك أو آرائك أو في حجم التصفيق لك عند إنجازك عملًا حتى لو كان سفرًا أو شفاء من مرض، أي أن حالة التسويق الذاتية تكون واسعة، وهي لا تعطي مؤشرًا لصحة ما يقدمه الشخص أو لصحة سلوكه ولكنها تأتي في سياق طبيعي كصدى تفاعل مع منبر فردي، وكثير منهم لا يعبأ بكل زيادة في الجمهور، فيما هناك نوع يحتفي بكل مرحلة، أما في الحالة المقابلة؛ حين يكون عدد الأصدقاء أو المتابعين أقل ففي هذه الحالة اتجاهين:

الأول: يمثل الانسجام مع الذات، منشوراته محدد جمهورها، وغالبية الأصدقاء معروفين له، أو من جنسه، فهو يعمق علاقته الشخصية معهم، وليس معنيًا في بث أفكاره أو رؤاه، وإن شاركهم أفكاره فهم في الغالب من فئة الموافقين له، سواء عبروا عن ذلك أو التزموا الصمت.

الثاني: لا يُتعب نفسه في النشاط التسويقي، ويتردد في زيادة عدة الأصدقاء أو الجمهور، وهو ربما راضٍ عن ذلك أو لا ولكن نشاطه رتيب.

من ناحية أخرى فإن عملية اختيار الأصدقاء باتجاه صناعة جمهور؛ تعكس اتجاه الأفكار التي يؤيدها ويؤيدها جمهوره، بين جمهور يطلبه وهم في الغالب بالدرجة الأولى الأشخاص الذين يعرفهم واقعًا، وفي المرحلة الثانية يصبح معياره الموافقة في الأفكار، والإعجاب بها، وجمهور يطلبك فالطيور على أشكالها تقع.

اتجاه الجمهور والأصدقاء يملك إلى حد ما تأثيرًا على الحالة النفسية التي يمر بها صاحب الحساب (الفرد منشئ المجتمع)، ولا يمكن الحكم المطلق بقولنا: كلما تنوعت اتجاهات الأفراد وأذواق الجمهور؛ كانت الحالة المزاجية والنفسية أفضل لصاحب الحساب، فقد يكون هذا التنوع سببًا بمشاكل أخرى مثل: إضاعة وقت أطول في الرسائل الخاصة أو في الحوار على المنشورات أو زيادة حجم الفراغ الفكري، وزيادة انكشاف ممارسات المجتمع من حيث السطحية وتفاهة الاهتمامات وكثرة تدوير الشائعات أو المعلومات المغلوطة.

في المقابل؛ فهل تبدو نفسية أصحاب الحسابات محددة الجمهور أو قليلة الجمهور أفضل؟ هذه أيضًا لا يمكن أن تكون حكمًا مطلقًا، قد يكونون فعلًا أقل تعرضًا للقلق مما يواجهونه خلال رحلة التفاعل اليومية، ولكن قد يكون هذا التحديد سببًا في مشاكل عدة منها: حالة الضجر المتكرر، تعميق حالة التعصب للفكرة الواحدة، عدم القدرة على التعاطي مع الاختلاف، وعدم القدرة على إيصال الأفكار التصحيحية -إن وجدت- لشريحة أوسع.

لا يخفى أن جميع الأفراد منشئي الحسابات على مواقع التواصل يعانون بعد فترة من مشاكل مشتركة سواء في ذات الفرد أو مع المجتمع الذي يتواصلون معه سواء على منصة افتراضية أو على الواقع أو على كليهما معًا، والتي تشكل بمجملها مجالًا واسعًا للدراسة نفسيًا واجتماعيًا وثقافيًا.

إسراء خضر لافي

01 صفر 1438هـ

01 تشرين ثاني 2016مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *