عام

أبي في سطور

Views: 1064

 

ابنة أسير
وأخيرًا أُخرج حروفي تتنسم حرية، تعانق فضاء حياة نريدها خلودًا في الجِنان، أكتب عن أبي وإن كنتُ أكثر رغبة للحديث عن أمي الرائعة.
أكتب بصفتي ابنة أسير، لأني صحوتُ أخيرًا وانتبهت لهذه الحقيقة التي كنت أتغاضى عنها؛ كي لا أرى عوار المجتمع الذي أعيش فيه وعائلتي، والحمد لله رب العالمين ابتداء وانتهاء وفي كل حين.

مَن أبي؟

  • خضر أحمد لافي
  • مواليد 03/08/1959م.
  • الرابع بين إحدى عشر؛ تسعة إخوة وأختين(من أمه).
  • صوريف، محافظة الخليل.
  • بكالوريوس شريعة/الجامعة الأردنية 1983م.
  • عمل في الأردن فترة دراسته، ثم انتقل إلى اليمن ليعمل في سلك التعليم إحدى عشر عامًا (1983-1994)، وبعد عودته إلى فلسطين (1994م) اشتغل في أعمال متفرقة لعاميْن، ثم توظف في الحكومة ليعود مدرسًا فعمل في الحسين في مدينة الخليل ثم انتقل إلى بيت أمر حيث بقي إلى يومنا هذا.
  • داعية، ومربٍ، وناشط اجتماعي، وأب لم ننل منه ما ناله منه المجتمع والمعتقل.


اعتقالاته

02/12/2004-29/03/2005م
01/11/2005-01/03/2006م
28/08/2006-21/03/2007م
26/09/2007-23/09/2009م
18/09/2010- 11/11/2012م

حوكم لعمله في لجنة الزكاة سابقًا، وسئل عنها لاحقًا لدى وقائي الخليل، جرى استدعاؤه مرارًا بعد الإفراج عنه في 2009، واستدعي كاعتقال في 13/12/2009 وأفرج عنه بعد ساعات لظروفه الصحية وذلك ضمن حملة شملت قطاعًا واسعًا من شباب حماس تحسبًا من أعمال متزامنة مع ذكرى الانطلاقة، وصدر قرار باعتقاله لدى السُلطة في ذات الليلة التي اعتقل فيها لدى الاحتلال 18/09/2010م لكن الاحتلال كان إليه أسبق.
اعتقاله الإداري الأخير لم يكن لأي سبب سوى ملفات السلطة التي تزيد ثقتنا أن إدارتها وكل ما يجري في أروقة مقراتها يُدار أولًا بأول من الاحتلال.
لعل أكثر ما رسخ في ذهني هو سؤال الوقائي له عمن درسه في جامعته، وسؤالهم عما سئل عنه لدى الاحتلال، جريًا على قاعدة “التاجر المفلس بدور ع الدفاتر القديمة“!

عائلة أسير وشجون
اعتقل أبي منذ 2004م وهو ذات العام الذي ولدت فيه أصغر أخواتي فعمرها من عمر اعتقالاته، وفي سجنه تخرجنا من الجامعات أنا وشقيقتي، ثم نجح شقيقاي في الثانوية والتحقا بالجامعات وتخرجا، كما تخرجت والدتي، ودرجت شقيقتاي الصغيرتان في مدارسهما وانتقلتا من مرحلة لأخرى، ولم يعايش أفراحنا فكانت دومًا منقوصة؛ ليكون الاحتلال دائمًا هو المقصلة.
وهو ذاته الذي حرمنا من الاجتماع كعائلة منذ 1994م لاختلاف الهوية، فكان والدي يأتي لزيارتنا في المخيم (مخيم شعفاط حيث استقر بنا المقام حين العودة) مرتين في الأسبوع، ثم مرة واحدة حتى اندلعت الانتفاضة وأصبحنا نرتحل لزيارته آخر الأسبوع.
أما الحديث عن زيارته في السجن فهو ذو شجون، ولعل إخواني أبناء الأسرى تكلموا في ذلك كثيرًا، وأما المرض وتقلب الأحوال التي تتعرض لها العائلة أو حوادث الوفاة أو الإصابات المختلفة فحدث ولا حرج حين يكون والدك أسيرًا.
أصعب الفترات التي مرت علينا حين اجتمع أبي وشقيقي في المعتقل، وتبع ذلك بخمسة شهور وفاة جدي لأمي الذي سد مكان والدي في مواطن كثيرة لا أحصيها وإن أحصيتها فلا أوفيه حقه فيها.

آثار الاعتقال
ليست آثار الاعتقال مختزلة في الحرمان الذي يقاسيه كل ذي صلة بالأسير، بل يتجاوز ذلك ويتبلور بعد الإفراج؛ فالطباع تتغير، ويصبح لزامًا على الجهتين (المحرر وأهله) أن يتعرف كل منهما على طباع الآخر، وكأنهم يلتقون أول مرة، بل كأنهم يولدون من جديد، فترة ليست سهلة مهما كان ما فيها يشبه القديم يبقى جديدًا.
وكعائلة ألفت التفرق فهي دائمًا في رحلة تعارف، أفكار جديدة، طباع مختلفة ومتنافرة أحيانًا، وسلوكيات جديدة.

أسير أو شهيد
قلتُ ذات مرة لأمي أن الاعتقال أصعب من الشهادة، لكنها رأت عكس ذلك، تعزينا أن الأسير يعود يومًا ما ولكن الشهيد فقد انقضى أجله، لكنها لم تجبني لو عاد الأسير شهيدًا ألا تكون الصعوبة هنا مزدوجة ممزوجة بأمل تلاشى؟!
صعوبة الاعتقال أراها ماثلة في تربية الأبناء، فألاحظ أن أبناء الشهداء لا يقعون في انحرافات قد يقع فيها أبناء الأسرى، بل وكأنهم يحظون برعاية تحفهم فيزدادون تألقًا؛ رغم أن كليهما فاقد!

علامات تعجب!
لا أدري لم عائلات الأسرى توضع على الرف وتُترك لشجونها إلا حين يكون الأمر استقطابًا، أو إحسانًا وكأنهم فقط موطن صدقة!
لا أدري لم تُذكر عائلاتهم في الأموال فقط وكأنهم فئة متسولة وذات حاجة، لا تراعى كرامتها، ولا يُستر ضعفهم!
لا أدري لم تستهوِ المؤسسات تعذيب ذوي الأسرى لاستخلاص ورقة أو التثبت من بيانات أو ترحيلهم من مكتب لآخر ومن مؤسسة لأخرى!
أما ما يحيرني بشكل أكبر هو المجتمع الذي تحسن إليه ثم ينقلب عليك، فقد يكون الأسير ناشطًا ومقربًا لعائلات الأسرى ولكن حين يقع هو لا يوجد لعائلته نصير ولا متفقد!
إذا كان فهم المجتمع والمؤسسات أن التواصل مع عائلات الأسرى هو تواصل مرتبط بالمال أو العيد؛ فإن هذا تواصل مردود ومرفوض ولما تبلغوا جزءًا من حقوقهم المفروضة عليكم تنظيمًا وعشيرة ومؤسسة.

مفاهيم مقلوبة
كان يعتبر الاعتقال بطولة، ويوضع الأسير فوق الرأس، يتضامن المجتمع ويتكافل مع عائلته، اليوم تبدلت المعايير فأصبح المعتقل عليه “أن يتحمل وزره وحده” وكأنه مجرم، ففوق محاكمة الاحتلال يحاكمه المجتمع!
لا أعلم إن كان الواحد يلاحق إن صلى أو قال كلمة حق كما تفعل السلطة أو إن ساعد عائلة شهيد أو دعا إلى خير اعتقله العدو، ماذا يبقى للواحد منهم؟ أليس عائلته ومجتمعه؟ بل وفوق ذلك تلاحقه أجهزة أمن السلطة بعد خروجه من سجون الاحتلال في أعظم فعل يمكنهم فعلهك استدعاءه أو اعتقاله! (هذا نيشان التكريم بلغتهم التي يتقنون!)
حين يتخلى المجتمع عن أبنائه الشرفاء فلا يرقب أن يرحمه الله أو أن تدوم عليه النِّعم فربما هو استدراج، ومَن يسعون للأمن والاستقرار فقد فاتهم أننا تحت احتلال ومهما طال الزمان فالمواجهة حاصلة، وما يحرصون بشدة لتوقيه لاحق بهم، ليس خطأ أن تعيش لدنياك ولكن لا تتاجر بمبادئك وتدعو لما يناقضها بمسمى “تقية”!

أُمنية والختام
إني لأدعو الله تعالى أن يكف عنا شر أجهزة أمن الضفة ويشغلهم في أنفسهم، وأسأله تبارك وتعالى لأبي ما يتمنى؛ الشهادة في سبيله ولي ولأهلي ومَن نحب ويحبنا.

لعل عليّ أن أرسم بألوان الفرح كل معالم السعادة وأتوج نهاية عام 1433هـ بطي صفحة الأتراح، ولكني أحتفظ بسعادتي تلك حتى لا يعود يهدد سكون ليلنا ويعكر صفو نهارنا عدو غاشم، حين تحرر كل الأسرى والأسيرات، ويتم تحرير فلسطين كاملة.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *