عام

عيد في السجن: عيد لا يعرف القيود

Views: 993

سمعت عن العيد في السجن، عن البكاء في هذا اليوم، عن أغنيات الإذاعات التي تخرج الحزن المخبوء في قلوب الأسيرات وتتركهن أسيرات القيد والذكريات ونشيج الدموع! وهكذا جرى تهيئتي من بعض الأسيرات لانتظار اليوم الأول في العيد ومتابعة تلك المشاعر.

إلا أننا قوم لم يخلقنا الله عز وجل لنبقَ في الانتظار دون محاولة صناعة واقع جديد، فكنا نتساءل عن صلاة العيد، وطقوس العيد التي يمكننا أن نعيش أجواءها مع الأسيرات ليكون عيدهن هذا غير كما كان رمضان مختلفًا، ومحطات أخرى كثيرة فتح الله بها علينا، أردنا بها رسم الطريق وفتح آفاق جديدة ممكنة وإن ضاقت السبل.

قبل فترة من العيد أعد فريق العمل مع ممثلات الأسيرات هدية لكل زنزانة مع بطاقة تهنئة خفيفة، إضافة إلى تهنئة خاصة من الممثلة إلى فريق العمل ومن تحب، وكذلك فعلت عدد من الأسيرات إهداء للقريبات منهن، وُجدت هداياهن في داخل الخزائن أو على الأسرَّة، ثم كان الترتيب لصلاة العيد في ساحة السجن، حيث اتفقت الأسيرات على الحضور جميعًا وارتداء الجلابيب أو الفساتين التي خصصوها للاحتفال بالعيد، وفعلًا خرجت الأسيرات في حدود الساعة 05:40 دقيقة وبدأن ينشرن الفرح في الأجواء، بالسلام والاحتضان الدافئ والكلمات اللطيفة، وتجمعنا في ساحة السجن وأدينا صلاة العيد، واستمعنا معًا لموعظة قدمتها لمى خاطر تحيي فينا معاني الفرح بالعيد رغم القيد والبعد عن الأهل، ثم قضينا وقتًا إضافيًا في الساحة تناولنا خلاله المعمول الذي أعدته الأسيرات من الطحين الذي طالبن به سابقًا، في محاولة لإخراج ما يشبه كعك العيد خارج السجن، مع قهوة سادة أُعدت خصيصًا لهذا اليوم، وفي حدود ما أعلم كانت هذه أول صلاة عيد في ساحة تعيشها الأسيرات اللاتي تزامن حضورهن مع اعتقالنا، ومنهن مَن تؤديها لأول مرة في حياتها، ومنهن مَن قررت ألا تتركها بعد الإفراج عنها وتحديدًا في ساحات المسجد الأقصى المبارك بإذن الله.

تزامن يوم عيد الفطر مع زيارة لأهالي عدد من الأسيرات، فانطلقنا جميعًا بين تحضير للفطور، ولاستكمال طقوس اليوم، لنختتمه بفعالية ترفيهية بعد صلاة العصر جماعة، تخلل الفعالية مسرحية للعيد إعداد الأسيرة إسراء جعابيص، ثم تكريم لمن حفظت سورة الكهف في رمضان، وتكريم آخر لمن جمعت أكبر عدد من الإجابات الصحيحة ضمن مسابقة يومية عُقدت في رمضان حول جزء اليوم، ثم الإعلان عن مسابقة حفظ سورة الملك، لننتقل إلى فقرة الأسئلة الترفيهية التي جمعت بين المعلومة والترفيه لرسم البهجة من خلال السؤال أو الهدية الرمزية مما توفر لدى الأسيرات مثل كاسات الكرتون والبلاستيك، والبصل، والبندورة، وورق المحارم، وإسفنجة الجلي، والأشواك والملاعق، والشوكولاتة وغيرها، وللفعالية وجه آخر هو منح الأسيرات فرصة للتعبير عن فرحة العيد من خلال ارتداء ما يخترن من ملابس بما يناسب الجلوس معًا في غرفة مغلقة.

في اليوم التالي أعددنا غداء جماعيًا، وبشكل عام لم يكن العيد سوداويًا من ناحية المشاعر على الأقل في الفترة التي اجتمعت فيها الأسيرات معًا، أما في الليل فحكاية أخرى تجد فيها الأسيرة سلواها للبكاء أو البوح بذكريات خاصة أو الفرار إلى النوم لينقضي اليوم مسرعًا.

فإضافة معانٍ جديدة للعيد وللشعائر المختلفة لن تمنع الحزن من التسلل من بعض نوافذ القلب المشرعة للذكريات، للفقد والحنين، ولكنها في أفضل الأحوال تضيِّق مساحة الأحزان، وتمنح الأمل فرصة للولادة من جديد، وتبقى ضمن فقه أداء الرسالة التي يوقفنا الله عليها في كل مكان يقدِّر وجودنا فيه.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

على موقع مجلة إشراقات

11 ذو الحجة 1440هـ

12 آب 2019مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *