عام

عطايا: دمتِ حُرة

Views: 980

يوم سمعت باسمها للمرة الأولى في سجن الشارون ترافق ذلك مع الكثير من القصص، والتحامل، والاتهام، كنتُ أرغب بالاستماع فقط دون اتخاذ موقف، دون تغير في قلبي، لأن كل ما نسمعه له وجه آخر لم نبلغه بعد، ولأن حالة من التعصب والاصطفاف كانت تحرِّك كثيرًا مما يُروى أو يُتداول.

        كنت أعرف قصة اعتقالها ولكن لم أكن على ثقة بما أعرف، على شوق انتظرت التعرف عليها والسؤال عن الرواية؛ عطايا أبو عيشة التي اعتقلت في 15.12.2015، في اللحظة الأولى التي وقع بصري عليها في 06.11.2018، وردّت على تحيتي وقع حبها في نفسي، وشعرت أن الطريق بين قلبينا ممهدة، وأنه يمكننا التفاهم على نحو فعال ولعله التقارب العمري، لم أستنطقها، بل تركت لها عنان الكلام كلما سمحت لها الفرصة.

سألتني ذات مرة ماذا تفعل لو سئلت عما جرى معها؟ فأشرت عليها أن لا تخشى شيئًا، وأن تروي الوقائع كما هي، وتواجه الواقع، ولا تهتم بالدفاع عن نفسها فهي ليست مدانة، فهي صاحبة الرواية وهي الأصدق في ذلك.

الجميل في عطايا لا يمكن رصفه هنا في بضعة سطور، ولكنها إنسانة تعترف بالخطأ دومًا وعلى استعداد للاعتذار، مبادِرة، لا تؤجل شيئًا، خير معين إن لمعت في ذهنك فكرة طارئة، بسيطة، تتواضع لتتعلم، تتقن الخياطة وكل الأشغال الفنية الخاصة بالسجن وثقافته، كما أنها طباخة رائعة، كما نقول: (عندها نَفَس طيب) ولعل هذا سبب آخر للانسجام.

كانت من أوائل الذين وصلوا سجن الدامون بحيفا أواخر 2016 مع مجموعة من الأسيرات اللاتي نُقلن من سجن الشارون لاكتظاظه بالأسيرات وخاصة الجريحات منهن، وقد استلمت مسؤولية الأسيرات لفترة من الزمان، احتملت فيها مرارة التجربة وقلة الخبرة، وآمل أنها تجاوزت تداعيات تلك المرحلة.

لعل أصعب ما تعرضت له حين حضر أهلها لاستقبالها وقد كانت أخبار الإفراج عنها من المحكمة مؤكدة بعد إنهائها 3 سنوات من أصل خمسة، فودعتها الأسيرات، وخرجت في “بوسطة” إلى “معبار” وهو مرحلة وسيطة يبيت فيها الأسير بالقرب من مكان محاكمته ويرى في تلك الرحلة الأهوال، فإذ بالحلم ينهار، ولا تحصل على الإفراج، وتعود إلى السجن، لتواصل ما تبقى لها بعد تخفيض الحكم إلى أربعة، حسرة وألم، ولكنها امتصت ذلك برضى.

عطايا .. صديقة القرآن الكريم التي واظبت على متابعتي في آخر شهر ونصف، وللحديث هذا تتمة وتفصيل، فاجأتني يوم الإفراج عني بأسوارة من الخرز مكتوب عليها (دمتِ حرة)، وهي التقليد الذي بدأنا بتداوله عند توديع الأسيرة المفرج عنها، وكنتَ أخذت مسؤولية تجهيزها باسم الأسيرات منذ شهر شباط 2019، ولم أنتظر واحدة لي ولكن أخذت عني ذلك عطايا وقدمته لي مع ما لا حد له من الحب والوفاء والجمال.

سيُفرج عن عطايا بعد ساعات، مشتاقة لها جدًا، بعد سنوات أربع (15.12.2015 – 13.10.2019)، وتجربة مليئة بالمواقف، وغنية بالتجارب والخبرات، لا أملك إلا الدعاء لها بقلب خالص أن يعوضها الله خيرًا ويجزيها خير الجزاء، ويحفظها صديقة وأختًا، منحتني الأمل كل يوم، وكل لقاء.

 

13 صفر 1441هـ

12 تشرين أول 2019مـ

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *