عام

قتل الروح الوطنية وإفساد الأجيال

Views: 3161

قتل الروح الوطنية وإفساد الأجيال

 يشير مالك بن نبي في شروط النهضة إلى فكرتي البعث الروحي والبعث الفكري المتمثلان في بناء المساجد والمدارس؛ حيث أن هذين البعثين (عماد كل حضارة في سيرها الحثيث).

حسنًا؛ إذا فقدت هذه الأبنية جوهرها وقيمتها ماذا يحصل؟

ينشأ واقع مترهل مظلم يتمثل في واقع الضفة الغربية والذي بدأ بالتردي بعد دخول سلطة أوسلو عام 1994م، والتي لم تتورع عن قتل المصلين في مسجد فلسطين بعد صلاة الجمعة، ثم ما نشهده اليوم من عزل الخطباء ونقلهم وتحديد ما يتكلمون به.

وبدلًا من أن تكون المساجد نهضة أمة أصبحت مجردة من الروح لا تبني عقيدة ولا تغير سلوكًا ولا توقف عادة سيئة ولا تحرك جماهيرًا، ولا تخرج حفظة قرآن بل أوقفت مراكز كثيرة، فكيف بعد ذلك يمكن أن تبني ثقافة عامة تصنع تحريرًا؟ تحرر المسلم من التعلق بالدنيا، وتربطه بالآخرة، وتذكره بواجبه ضمن ما يملك في معركة شاملة.

ويُمنع الحديث عن ظلم الظالم والسلطة في المساجد، إذا لم تكن المساجد لرد الحقوق فلمَ هي؟ ما جدوى وجود حفظة لا ينتهجون القرآن منهج حياة؟ ما جدوى تخريج حفظة لا يجدون مكانًا للتعليم فيه إلا بحسن سيرة وسلوك موقعة من أجهزة أمنية معلومة تبعيتها لمن!

منابر ثكلى عز  عنها الخطيب صاحب الشانِ!

أما التعليم فحدِّث عن سياسة تجهيل ممنهجة؛ سواء في المدارس أو الجامعات، والتي ساهمت بقتل الروح الوطنية وتجفيف منابعها بالتآزر مع محاربة المساجد.

 مناهج تعليم على مقاس أوسلو، كثافة في بعض المواد تحت عنوان “كيف تكره المادة؟”، ثم إضرابات طويلة لا يهم معها أنتهى المنهج أم لا، أسُلق أم أُتقن، وزِد عليها حين تكون أحداث شعبية أو تشييع شهيد يتم تعطيل الدوام قبل وقت الفعالية فيغادرون لمنازلهم وبهذا تخف حدة المواجهة مع الاحتلال، ويُجند العديد في صفوفهم خدمة لأمن المحتل! ولا يعرف الجيل ما الذي يجري حولهم! حتى في ذكرى النكبة يُعلق الدوام بدلًا من أن يكون شهرًا ثقافيًا وفنيًا يفهم فيه الجيل قضيته ويقف على مفاصلها، ومن ثم يُسفه الحجر وكأنه لم يفجر يومًا ثورة وكان كل ما نملك فأقلق محتلًا وشعبه.

 ثم يخرج علينا تنظيم فتح ليفرض نفسه في المدارس بفرض حصة تعبئة سياسية وملزمة تثقيف تنظيمي تحت عنوان مسابقة لا تتضمن إلا فتح والمنظمة؛ ثم يحارَب البقية بدعوى التحزيب؛ وهل هذا في المدارس جائز؟ أم هو حجْر على العقول وتدجين لصناعة “فتحاوي” لا يؤمن إلا بالعمل لدى الاحتلال وبدولتين وينسى من بعد فلسطين وحكاية نكبة ونكسة وانتفاضتيْن وأسرى وشهداء من كل الأطياف ثم معركة تحرر وتحرير شاملة؟

 أما الجامعات فعدا عن طريقة التعليم التلقينية التي لا تفتح عقلًا ولا تطور قدرة الطالب؛ والاعتماد على شرائح محفوظة، فإن تعليق الدوام الممنهج عند كل ناعقة لا يُسهم في زيادة الوعي الجامعي لدى شريحة هي الأهم في المجتمع؛ بل تعكس حجم القصور لدى مجالس اتحاد الطلبة التي لا تحل مشاكل الطلبة والاحتلال إلا بالإضراب، رغم أن هناك قضايا هامة للطلبة لا يتم تبنيها ولا حتى التطرق إليها وكأن مَن يُسيِّر هذه المجالس هي الأجهزة الأمنية وسياسات سلطة أوسلو فقط وبعرض الحائط تُضرب مصلحة الطلبة.

 وهذا الإضراب الذي لا يُوجَّه لمواجهة المحتل فإنه يعوِّد الطلبة على الراحة حتى يفتقدون تعليق الدوام وكأنه هدية على كسلهم وخمولهم وأنانيتهم، نريد وطنًا على جثث مَن اصطفى، نبكي الشهداء وقلوبنا ترفض أن تكون ضحية اليوم التالي!

 لهذا أرى أن التعليم بشكله الحالي ليس تعليمًا ولا أبكي على فوات تعليم الذين يرزحون تحت التقتيل في سوريا وأفريقيا الوسطى وغيرها.

 وليُسند أفول البعثيْن الروحي والفكري في المساجد والمدارس يأتي دور ما يقمع عنوة أي محاولات للإيناع؛ ما يمنعها ويحد من تأثيرها وهو ما أطلق عليه مالك بن نبي ملاحقة (مقلقي النوم العام) دور الأجهزة الأمنية وعيونها وأيدٍ ترفع التقارير أو تنقلها عبر الهاتف؛ ثم قلب الأرض أولًا بأول، واستنزاف أي جهد بسياسة الباب الدوار بين سُلطة أوسلو والاحتلال، وهي سياسة ثابتة في عُرف فتح التي تحاول التظاهر بأن لا علاقة لها بالسلطة، ولكن مَن تفرد في القرار وجعل من الدول العربية ساحة لمعاركه ثم كان عرابًا فرئيسًا أهو من قوم آخرين؟ بل منهم وعليهم وزره ولكنهم ينكرون!

 يُراد للضفة أن تنام فلا تصحو؛ حتى إن كلف ذلك سحق المخالفين.

هذا واقع فلينظر كل منا إلى ما كلفه الله به ليقوم به على أكمل وجه فإننا سنُسأل.

إسراء خضر لافي

10/جمادى اولى/1435هـ

11/آذار/2014م

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *