عام

المحن المُربية

Views: 700

من ابتلاء الفرد إلى الجماعة إلى المجتمع؛ خط تصاعديّ في الابتلاء يتوازى أو يتتابع بحسب قرب الفرد من الفكرة وانصهاره بها ومعها ودورانه في فلكها.

من تصقله التجربة وتعركه الحياة يرمق الأحوال بعيني خلاصته، يسمو وإن كان وحيدًا، يغترب حين يتفرد في المجتمع، وتبدأ وحشة الاغتراب بالزوال حين يزلزل المجتمع حدث؛ فيرتفع به من الخوف والوقوف عند الآثار الفردية والخسارة المادية إلى معاينة صبر المبتلين وهم يعظون المشاهدين ويربطون الحدث بعظمة الجزاء، هنا فقط يتبلور الإيمان، وتكتسي الحياة بُعدًا آخر لا تحييه كثرة المواعظ ولا الزجر ولا العتاب.

هذا ما صقلته الأحداث الأخيرة؛ وهي تُعد أرض الضفة لتكون على مستوى الحدث في قابل الأيام، فحين خُطف الجنود في الخليل؛ شمر الشباب في كل الضفة للاعتقال؛ تعلوهم ابتسامة، وكان جزع الناس مسيجًا بالدعاء بانتصار الحدث في نهاية المطاف.

وحين وقعت الحرب على غزة؛ وعاين الناس في كل مكان الصبر والثبات والإصرار على المواجهة للنهاية من الرجل والمرأة والطفل رغم خسارتهم كل شيء، صاروا يستقلون جراح أبنائهم في المواجهات والاقتحامات، وحتى حين سقطت الصواريخ على بعض المنازل الفلسطينية، وحين يُستشهد الشباب والأطفال؛ ينظرون إلى هذا العطاء مقابل غزة وأهلها؛ فيقولون: لا شيء مقابل غزة، كلنا فداء المقاومة.

نعم، كانت سوريا ورابعة من قبل، وانقسم الناس، وتأثروا بعمق، ولكن في فلسطين وغزة اصطففنا والأحرار في كل العالم خلف المقاومة، لننتصر لعقيدتنا، لهويتنا، لثقافتنا، لماضينا وحاضرنا ومستقبلنا.

وكلما كان الحدث أقرب؛ كانت التربية أبلغ، والتربية بالحدث أقوى من الكلمة والتوجيه والتجربة المتناقلة، فليحذر من لم ينبهه الحدث ويُحدث في حياته تغييرًا.

والله إذ ينتقل بنا في الابتلاءات من الفرد إلى الجماعة ثم المجتمع؛ فإنه يصنعنا ويريد أن يخفف عمن أثقلته أعباء المسير، وحمل همّ التغيير، لنتذكر أننا مطلوب منا الاستمرار في العمل، لنقدم ونجتهد، والله إذا أخلصنا سددنا وسدد عنا.
إذا تحركنا فإن التغيير يتدحرج ككرة اللهب، وهذا حكمة من حكم الابتلاء العام.

ولنا في كل شيء عبرة، الإنسان يربي، والحدث يربي، فماذا بالنسبة للمتلقي والمعاين؟ هل يَنفذ إلى الحكمة؟ وهل يغير من حاله ليعينه مولاه؟ هذا يتفاوت بحسب تلقي القلوب واستجابتها العملية فتواكب أو تقصر عن الحدث.

إسراء خضر لافي
17/شوال/1435هـ
13/آب/2014م

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *