عام

لماذا تنقطع الأخت عن العمل الدعوي أو يضعف التزامها الشرعي؟

Views: 1219

لماذا تنقطع الأخت عن العمل الدعوي أو يضعف التزامها الشرعي؟

تردد كثيرًا التساؤل حول الأسباب وراء عدم استمرار الأخت العاملة في الكتلة الإسلامية بالعمل الدعوي بعد التخرج من الجامعة، أو تغير درجة التزامها، وللحالتين أسباب كثيرة، ليس تبريرًا للتراجع –إن وجد- ولكن محاولة للتشخيص لتحاول العاملات التحصن ضد تلك الأسباب أو معالجتها، ونحو مزيد من التفهم ليبقَ الود والاحترام والقبول سقيا الأخوة في الله دون تحول إلى خصومة أو عداء أو قطيعة، ودون انجرار وراء الأحكام القطعية على الشخوص، فليست إحدانا ملاكًا ولكنها عوامل تجري بنا بين تثبيت أو تثبيط، وديمومة أو انقطاع، وتجمع أو افتراق.

أولًا: لماذا لا تستمر ابنة الكتلة الإسلامية بالعمل الدعوي بعد التخرج من الجامعة؟

والحديث هنا عن الأخت التي نشطت وعملت وكانت ضمن صفوف العمل، ففي حالة كالضفة الغربية كانت تصل نسبة مَن يتوقف نشاطها قبل تغول السلطة عام 2007 إلى 40% كحد أدنى، فيما ارتفعت النسبة بعد العام نفسه تقديرًا لتصل إلى 90% نظرًا للترهيب، وتوقف مؤسسات الحركة الإسلامية، وعدم وجود تنظيم حركي يوظف الكوادر في نشاطاته المختلفة، إلى جانب الأسباب الاعتيادية التي سيأتي الحديث عنها، والتي أصبحت أكثر إلحاحًا.

الكثيرات يخرجن إلى المجتمع دون أن يفهمن دورهن الفردي في العمل الاجتماعي والدعوي سواء مع المحيط كالعائلة أو عائلة الزوج أو في العمل، فهنّ عملن ضمن فريق عمل سهل اجتماعه في أروقة الجامعة، وسهل بذلك الانخراط بين الطالبات وتقديم نشاط صغير أم كبير.

وهناك مَن تخرج من الجامعة وهي تحمل رد فعل على ممارسات فردية ومواقف عاشتها داخل الكتلة لم تعالَج في حينها سواء من طرف المخطيء أو المخطَأ بحقه، فالانتماء لفكرة يلزم الطرفين بتوفر سقف من الحرص على المجموع فيتحمل كل منهما على حد سواء مسؤولية تضخم الموقف وعدم الحرص على معالجته.

ثم الخروج إلى مجتمع مفتوح لا تعرف من أين تبدأ فيه ومع مَن وكيف، وخاصة حين يغيب البناء الجامع أو المؤسسة أو القيادة التي تجمع وتوجه وتنظم وتحرص على الأقل على علاقة ودية اجتماعية مع الوافدات الجدد إلى المجتمع، فقد يكون لربتة على كتف إحداهن، وكلمات التثبيت، وتوضيح أهمية الثبات والتأثير في المجتمع العائلي؛ عوامل تخفف الاغتراب الجديد، والشعور بالوحشة والضياع بعد سني الجامعة الخضراء.

وقد يكون الزوج غالبًا أو الأب أو الأخ أحيانًا مانعًا من استمرار الفتاة في العمل الدعوي أو الارتباط العضوي بالجماعة، مما يسبب رد فعل سلبي لدى الأخت فتختار عدم القيام بأي دور، مبررة لنفسها ذلك بسوء الأحوال، وانتهاء العمل، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، رغم أن وسعها هنا لم يُستنفذ في العمل والتأثير مع العائلة الممتدة.

وهناك حالات عكسية تختار فيها الأخت الابتعاد بمحض إرادتها حيث يكون العمل لها بمثابة إشباع عاطفي، حاجة غريزية، تنتهي بمجرد الارتباط بزوج، فيملأ عليها حياتها ويغنيها عن نشاطاتها، وهي أحيانًا لا تتوقف عن العمل فقط بل تضعف علاقتها بصديقاتها، وفي حالات عديدة تعلن رغبتها بترك العمل خوفًا على تضرر زوجها أو خطيبها الذي غالبًا لن يتضرر لنشاطها الدعوي والاجتماعي والثقافي؛ ليكون هذا سببًا معينًا للظالم والمحتل معًا، فالخوف على الرزق أو الأجل ضعف ثقة بالله وضعف إيمان به عز وجل.

الناجح هو الذي يصنع الظروف، وتأثير الإنسان صاحب الرسالة لا يقف عند حدود مرحلة، ولا عند شكل معين، والعمل للإسلام لا يقف عند حدود العمل الحركي أو الانتماء لحركة؛ بل يتعداه إلى المهمة الإصلاحية الأولى التي حريٌ بالمسلم والمسلمة أن لا يلقيها عن كاهليه، ولا يوجد لها سن تقاعدي؛ فخط النهاية هو انقضاء الأجل.

ثانيًا: لماذا يتراجع شكل التزام الأخت سواء خلال المرحلة الدراسية أو بعد التخرج؟

يشكل السؤال السابق جزء من الإجابة؛ فحين تبتعد عن الجماعة، وحين يزيد الاختلاط بالمجتمع دون ممارسة للدعوة والإصلاح؛ تصبح متأثرة لا مؤثرة، ومع الزمن يبدأ التساهل بالالتزام والذوبان في المحيط، ومَن تحلل من الالتزام بالعمل للدعوة وإصلاح الناس؛ سيكون سهلًا عليه التحلل من الثبات على التزامه.

ففي الجامعة تعيش الأخوات حالة حالمة مشبعة بالمثاليات داخل مجتمع عام، تُعزز فيه غربتهن، ويأنسن بالاجتماع، ويقوين بعضهن، ويقتدين ببعضهن، فيكون الثبات وقوة الالتزام سمة، خاصة مع سهولة النصح والتصحيح، ومع التخرج يغدو وجود هكذا تجمع صعبًا، ويصعب أكثر في ظل القبضة الأمنية وخاصة حين تختار الأخوات الانعزال؛ إذ الأصل مواجهة هذه الحالة بديمومة الاجتماع، والحرص على إيجاد جو اجتماعي حاضن يقوي الثبات على الطريق، ويوفر جوًا للاستشارة الأخوية فيما يعترض من مشاكل اجتماعية فردية.

وفي بعض الحالات يكون الالتزام عادة وليس عقيدة أي ليس ناشئًا عن التزام بحكم شرعي، فيسهل التخفف من الضوابط؛ سواء عند الخطوبة، أو عند الاحتكاك بصديقات غير ملتزمات، أو تأثرًا بنصائح أُم أو أخوات أو قريبات.

وفي حالات كان اختيار التراجع عن الالتزام للخروج من دائرة الحكم عليها بتصنيفها المسبق على تيار إسلامي، ولتفادي رفض توظيفها، ولتجنب التعامل معها ككيان مرفوض، وهذه حالة من حالات الإقصاء الممنهج الذي تمارسه المؤسسات العَلمانية واليسارية ثم تدّعي الانفتاح وقبول التعددية، وإن كان ليس مبررًا تراجع الالتزام هنا ولكن إلى حد ما يمكن قبوله ضمن (جلب المصلحة).

من جهة أخرى فإن ضعف التربية الدعوية يعزز غياب الرقابة الذاتية؛ فالانضباط كان لأجل مسؤولة أو شخص أو لوجود مؤقت ضمن جماعة وليس لإرضاء الله عز وجل، وهذا خلل أحيانًا تعززه التربية ذاتها حين تخطيء التوجيه نحو الغايات.

كل ما سبق يتفرع أولًا: عن ضعف الإيمان بالله أي ضعف العلاقة مع الله عز وجل، ضعف حضور الله في مشهد الحياة الفردية فلو حضر لكان الهادي والنصير والموفق للإخلاص والمعين على الثبات، وثانيًا: عن سوء الفهم والذي يسبب ضعفًا في الأداء وتخبطًا وانعزالًا ومن ثم ذوبانًا سلبيًا في المجتمع.

الله أولًا وأخيرًا، ثم البحث والسؤال والحرص على الفهم ليكون لكل منا دورها في الحياة مهما اختلفت الظروف، وأينما حلت مواقعنا، وعلى كل حال قدره الله لنا.

وللتحصن ضد تلك الأسباب يغدو من واجبات كل أخت أمران؛ الأول: أن تحرص على الجماعة وتبحث عنها بل وتعمل على إيجادها، والثاني: ديمومة العمل والحركة؛ فصاحب الرسالة يؤرقه العمل لرسالته بشكل مستمر، ويقتله التوقف.

إن لم تجد عملًا فأبدعه وكلف نفسك فأنت أمام الله مسؤول مستخلَف.

إسراء خضر لافي

26 ذو القعدة 1436هـ

09 أيلول 2015 مـ

 

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *