عام

حياتنا والعودة إلى الأصول

Views: 1138

حياتنا والعودة إلى الأصول

ليس كل ما يحصل في حياتنا يسير نحو الأسوأ، ففي غمرة كل الأحداث والمظاهر والسلوكيات، والتقلبات السياسية، والتغيرات الاجتماعية، وأثناء البحث عن الطريق؛ يجد المرء نفسه أمام الحياة الرحبة المريحة التي تدعوه لأن يغدو أبسط وأكثر انفتاحًا وتفهمًا لما يجري حوله ولدوره في دورة حياة المجتمعات.

فهل كان الانكفاء على الذات بعد عام 2007 في الضفة – على سبيل المثال- شرًا محضًا أم كان فرصة للتفكير في حقيقة الدور الفردي، وفي صلة الفرد بأسرته وعائلته وجيرانه ومحيطه؟ أما كان فرصة بالتحرر من قيد المؤسسات والانتباه إلى مشاكل مختلفة بنيوية على مستوى التفكير بتجنب الاستهداف حين التحرر من قيود المؤسسات وعلى مستوى شكل العمل التربوي وتوجهاته؟ وحتى كان فرصة ليجعل المشهد مكشوفًا على مستوى النفسيات وطرق التفكير ومساعي الأشخاص المرتبطين بالفكرة في عموم الحياة.

لنكتشف أن فهم (الفرد، الأسرة، المجتمع، الدولة) كان يستثني في ذهن ابن الدعوة عائلته ويحصره بأسرته الدعوية، ليكون الترتيب العملي الفرد والمجتمع ثم الأسرة، ولننظر لحجم الفجوات والمشاكل في صلة الفرد بعائلته، وكم عائلة كانت حاضنة للفرد في محنته؟

وفهم (الأقربون أولى بالمعروف) حُصر في المصلحة، والمنفعة المادية أو بالمناصب والمحاصصة، وفهم (خيركم خيركم لأهله) فذهنيًا حُصر بالزوجة، ومعاونتها بعمل المنزل، والذي يُقابَل بالتندر أو الاستعراض، ويرحب به أو يقلل منه، تبعًا لثقافة البيئة الحاضنة للفرد، ولكن الخيرية هنا تتعدى الزوجة وتتعدى عمل البيت، تتعدى الزوجة لتشمل الأم والأب والأشقاء والأرحام.

إذن خروج من دوائر المؤسسية وأطرها، إلى الشعور بالفراغ واللاشيء، وبعدم وجود إنجازات شخصية، فيُلحق ببعض التنظيم والترتيب لأولويات الحياة ليصبح من واجب الفرد صاحب الرسالة الانتقال إلى رحابة العلاقات الاجتماعية والتي يملك المرء فيها الإصلاح والتأثير والإحسان، ليقوم بمهمات؛ منها: التفاعل والتأثير الديني، والإصلاح الاجتماعي، والإرشاد الثقافي، وهذا أصل وأولوية يعود به (للنصيحة) للمسلمين دورها، ولـ (الدين المعاملة) حقيقته، ولـ(الأقربون أولى بالمعروف) أصالته، و(للخيرية) فهمها الشمولي بعيدًا عن المادية المرتبطة بالمصلحة.

ثم سباحة في تيار (الموضة) وشكل الجلباب تحديدًا؛ والذي شيئًا فشيئًا لم يعد شكلًا محددًا، وقد أصبحت الأسواق تعج بأشكال وصناعات مختلفة متجددة، بعضها لا يليق الخروج به وهو أشبه بفستان فرح، أو قميص نوم، ولكن تسويقه على أنه جلباب جعل الشوارع والجامعات وغيرها ساحات لإثارة الفتنة وعرض الأزياء أكثر من عرض العقول والأفهام!

فإذا أردنا أن نقلل الفجوة مع تيار عريض يهتم بشكله كثيرًا، فعلينا أن نعيده لفهم شروط الحجاب بدلًا من أن ننكر ونرفض كل (موضة)، فإذا توفر الفهم؛ فهم ما يرضي الله، وما يجب أن يكون عليه اختيارنا؛ امتلك الإنسان ذائقة ثقافية يحاكِم وفقها ما يعرِض له من أشكال وألوان، فيصبح اختياره محتكمًا إلى الشرط لا إلى الشكل.

والتعامل مع روح الشيء أصل لا ينبغي أن يحلل ما تنكره الفطرة السليمة، ولا أن يحرم ما ينسجم مع الشرط وإن اختلف عما ألفناه في سالف العصور، فهل نملك أن نحاور جيل المحجبات الجدد والتابعات لهنّ بالعقل بدلًا من مقابلتهنذ بالإنكار أو الرفض؟

ومن حياة العودة إلى الأصول البحث عن سلامة المعلومة والخبر، وعدم الاستسلام لسيل المعلومات الوافدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو محركات البحث، بالعودة إلى البحث في الكتب، بالتعرف، بالتعلم، بالقراءة والحوار، وما ينشأ عن ذلك من حالة تدافع ثقافية، تملك إن استخدمت ووظفت بشكل جيد القدرة على إحداث ثورة ثقافية وسلوكية، وليس الحديث عن حالة الاستعراض الثقافي بل عن حالة التغيير الفكري الحقيقية، والمراجعة المنظمة التي تحدث فارقًا في حياة الأشخاص ومحيطهم.

الحياة وهي تعيدنا إلى الأصول تغدو أجمل وأكثر رحابة، فمن ذا يضيق على نفسه بالتضييق والحد من علاقاته الاجتماعية وقدرته على التأثير فيها لعيشه في ذكريات ماضٍ أصبح اجترارها أحد مسببات الإحباط؟ فلا يملك هو إعادة الماضي، ولا يملك أن يحيا الحاضر بروح بليت؛ بل بروح متوثبة تقتنص ما بقي لها في الحياة للعطاء أكثر، ويُفرض عليها الابتكار فرضًا، ومن ذا يصبح الشكل كل همه بدلًا من العودة إلى محاكمته لشرطه وتقبل التجديد بحكمة؟ ومَن لا ينال حظه الوافر من بحر الثقافة ويقبل التأخر لكسله ولتعاجزه أو لظنه أنه قد بلغ من العلم مبلغه؟!

إياك أن تصبح خارج خارطة التأثير، وأن تفقد باختيارك مفاتيح التغيير، وأن يتجاوزك الزمان بجيله وثقافته وسعيه.

إسراء خضر لافي

13 ذو الحجة 1436هـ

27 أيلول 2015مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *