عام

تجاربنا: التوثيق وكتابة التاريخ

Views: 1078

تكون حياتنا عابرة، هباء منثورًا، إن لم تكن لنا فيها إسهامات حقيقية، وقيمة مضافة، دليلًا للعابرين على متن الحياة، وأثرًا شاهدًا على مرورنا، أننا كنا على هذه الأرض نتدبر، نتفكر، نسعى، ونملك زمام الحرف لنسطر ما عشناه، وعايشناه، وما شهدناه وشهدنا عليه.

وإن كان التاريخ كما يراه ابن خلدون (ذكر الأخبار الخاصة بعصر أو جيل) فهذا يعني أن أخبار عصرنا تصنع تاريخنا لأجيال لاحقة، وأننا جزء من حركة تاريخ كبرى، قد نتضاءل في حجمنا في مساحة الأحداث الكبرى، ولكن الجبال من الحصى، والإنسان يملك المشاركة في حركة محيطه، وفي صناعتها، سواء شعر بأنه جزء من هذا التاريخ، أو انفصل عنه، فهو في الحالتين جزء منه، وإما شاهد على هذا التاريخ، أو تشهد الأحداث عليه.

إيمان المرء بقيمة حياته ووجوده تجعله يرى الإسهام في التوثيق واجبًا لا يسقط بالتقادم، ولا يصمد الزهد في الكتابة أمام ذرائع الإخلاص وأعمال القلوب، فمن آمن ابتداء بمسؤوليته الفردية كخليفة مكلف، ثم كمسلم صاحب فكرة؛ عليه أن يدرك أنه منذ اللحظة الأولى له في رسالته أصبحت تجاربه ليست ملكًا له، والاستئثار بها يحرم أجيالًا أخرى من الوقوف على الحقائق، والاستفادة من التجارب.

نحن حين نكتب تجاربنا الشخصية والعامة، ضمن نسق مجتمعي تقع عليه ذات الظروف؛ فإننا نقدم صورة حية عن تفاصيل وأبعاد الحياة في حقبة ما، ونقدم لكلٍ حاجته؛ خلاصة تجربة، دروس دُفع ثمنها، وتصحيحات لمواقف، ومراجعات لآراء، ورصد لتسلسل أحداث لم يكن عبثيًا، وذلك في ضوء رصد دقيق يشكل الاطلاع عليه خلفية قوية لفهم كيف سارت الأمور، ويوفر بيئة لدراسة السلوك إزاء كل الظواهر، والوقت الذي لزم لإحداث تغيير فردي أو جماعي، وأسباب طول الفترة أو قصرها، وإن كان بالإمكان أفضل مما كان، ويجيب على تساؤلات كثيرة، ويترك العنان للقاريء ليفكر ويطور ويضيف فيبني على موجود إن أحسن الاستفادة، فيوفر بهذا وقتًا هو وأمته أحوج له.

إنها كتابة ليست للترف، ولكنها واجب تجاه تاريخ لا يجب أن يكون حظه الضياع أمام وعي، وجيل يدّعي أنه أوعى من سابقه، ونقل التاريخ يزود من يأتي بعدنا بخبرة تغنيه عن تكرار نفس الأخطاء أو إعادة اختراع العجلة.

رسالتنا في الحياة تكتمل بشهادتنا على ما جربناه في كل المجالات: الأكاديمية، والمهنية، والنضالية، والثقافية، والاجتماعية، والفنية، والسينمائية، والتقنية، وكذا بتجاربنا في أعمالنا الخاصة؛ التحديات، والإنجازات، والأحداث والظروف العامة والخاصة التي رافقتنا في كل مسيرة منها.

هي دعوة لتبادل التجارب، ونقل الخبرات، ووضع معالم على الطريق في كل المجالات، استثمارًا لأوقاتنا، وتوفيرًا للتجارب الفاشلة، واستدراكًا على مسير نصوِّب وجهته، ونحسِّن الأداء فيه.

إسراء خضر لافي

17 شعبان 1437هـ

24 أيار 2016مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *