عام

أمي

Views: 974

ليست مدرسة بل حياة، تذوي لنشتد؛ لنقوى؛ لنكون، لا أدري كم في حياتها نتوقف لنعرف سر فرحنا، أماننا، وراحتنا، لكن المؤكد أننا نكتشف ذلك حين تذبل، أو تمرض، أو يعتريها ما يحجبها عنا.

مهما كبرنا في السن نبقى في ناظريها أطفالًا، ومهما فعلنا يبقى حضنها أمانًا، إن تبسمت ورضيت تراقصت لنا الحياة أفراحًا، وإن اعتلَّت اكتست الحياة أحزانًا.

يكد الرجل ليبني بيتًا من حجارة ليؤوي بناء الأم التي تكِد لتبني لحمنا وعظامنا.

كم سهرت لننام تعزف على آلة الخياطة أحلامنا بثوب جديد، وغد أفضل، الصوت الذي إن باعد بيننا وبينه الزمان لم تنسه الذاكرة، ما أن تنتهي من الطلبات حتى تتفرغ لثوب العام الجديد أو ثوب العيد، المهم أن لا يمر عيد بلا ثوب جديد كما كنا قبل تبدل الأحوال.

في النهار تعلم وترعى شؤون البيت والعصر مع القرآن تعليمًا والمساء مع الخياطة، وتمر الأعوام مثقلة بالصعاب، مثخنة بالألم.

كل مرة تمرض فيها أمي تضيق علي الحياة، حتى لم يعد لهذا الطفل أن يكتم حاجته أكثر؛ لا زلت أريها كل ما أشتري، أحدثها عن صديقاتي، أناقشها بكل شيء وتحدثني عن كل شيء، أتوسد قدميها، وتتحسس شعري بيديها، ولا تكتمني شعورًا وكأنها ترى كل شيء … نعم وكأنها ترى!

كنت ألح عليها؛ أمي قصي لي شعري، فترد: خليه لبعدين، وأعود مرة أخرى فتصمت وأنا أعود خائبة فقط لأني خسرت بركة يديها.

لمحتُ قطعة غير مغسولة جيدًا فتساءلت فقالت العتب على النظر، ابتلعت ريقي وحاسبت نفسي كثيرًا ثم أدركتُ أن إلحاحي المعتاد وعرضي لكل جميل عليها كان ينتهي بمجاملة؛ لأنها لا ترى!

أفرحني أن تناديني لتأخذ من شعري، كنت أثق أنها ستقصر معتمدة على أصابعها، ولكني في نفسي كطفل وجد ضالته أقول: قصيه ولو قصصته كله.

يشرق بأمي في عيني نور الحياة

وتظلم إن أظلم في عينيها الضياء

لأمي كل حروف الوفاء

وكل المحبة كل الدعاء

الجمال: أمي، والحياة: أمي، والنور: أمي.

إسراء خضر لافي

04/ربيع ثاني/1435هـ

04/شباط/2014م

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *