عام

طلبة الجامعات والمسجد الأقصى

Views: 3148

تعود بي الذاكرة لليوم الأول في حياتي الجامعية حين كان أول ما طالعني في موقف السيارات في مدخل الكلية عبارة مخطوطة على القماش: “الأقصى عقيدة أمة يوقد فينا نار الهمة“، ولم تكن مجرد عبارة، في ذات اليوم وزعت علينا الكتلة الإسلامية “دوسية” كرتونية للأوراق بمناسبة مرور عام على انتفاضة الأقصى، وصور كثيرة لمحطات في الانتفاضة، هذه الدوسية كان مصيرها الدوس والتمزيق من قبل قوات الاحتلال الذين صادروها من الطلبة على حواجز المدينة، وفي ذات العام كان معرض الكتلة الإسلامية الأضخم الذي جعل من القدس والأقصى الهوية والعنوان والتفاصيل.

هممٌ لم تتوقف حتى حين تفرق الشباب في المعتقلات، فأخذت الطالبات دورها في حملِ هذه الأمانة بفعاليات لأجل الأقصى والقدس؛ لعل أبرزها تسيير الحافلات إلى المسجد الأقصى، والتي تكررت وكانت في ظروف صعبة تمر بها الضفة الغربية، وبقيت كذلك العلاقة مع القدس؛ عنوان كل عمل، وكل نشاط، وكل فكرة، وكل صورة، لأن البوصلة التي تشير إلى القدس لا تخطيء طريقها، ولا تضل خطاها.

واليوم مع اشتداد التضييق على المسجد الأقصى، واشتداد الحرب بين أصحاب الحق والمغتصبين، وما تعانيه القدس من عزلة شديدة عن كل أحبابها ومريديها؛ يغدو الحرص على البوصلة أهم ما يمكن أن تفعله الحركة الطلابية عمومًا والكتلة الإسلامية خصوصًا، فما جدوى حركة طلابية لا تنبض بهموم الوطن، بهموم الواقع.

الحركة الطلابية تفقد قيمتها حين تتحول إلى حركة خدماتية بحتة منفصلة عن التفاعل مع القضايا السياسية والثقافية والأخلاقية، فمَن سيشيع ثقافة الانتصار؟ ومَن سيتولى نشر الوعي بالقضية الأساسية؟ ومَن سيحشد الجهود والجموع لتحرير هذه البلاد؟ ومَن سيبقي المجتمع الطلابي متصلًا بقضاياه وبحياته وقريبًا منها غير منسلخٍ عنها؟ ومَن سيعزز في هذا الطالب أن دراسته وعلمه جهاد، وأن واجبه هو تغيير هذا الواقع بعلمه، وأن هذا التغيير لا يأخذ شكل التفوق المهني فقط؟ ومَن سيهتم بإبقاء البوصلة نحو القدس؟ ومَن سيتحمل مسؤولية تبيين الحق وكيف يُسترد؟

طوردَ عدد من الطلبة، واستُشهد عدد منهم، وحُكم آخرون بالمؤبد، وما كان ذلك إلا جهادًا في سبيل الله لأجل تحرير القدس والأقصى، وترسيخًا لفكرة أن الأقصى عقيدة، وأن ما نلاقيه في الطريق كله في سبيل الله لا في سبيل جاه ولا سُمعة ولا شهرة، وقد سئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ قال: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) متفق عليه، فليس العمل مهمًا لذاته بل للغاية التي نتحرك بها ولأجلها؛ الله أولًا وأخيرًا، ولولا إخلاص المخلصين ما استمرت مسيرة ولا عمل.

المطلوب أن تستشعر أن كل يوم تعيشه على هذه الأرض رباط وجهاد، كل دقيقة في الجامعة وفي البيت وفي المسجد هي رباط وجهاد إن وجدت النية، وأنك تحصل على الأجر من الله ولا تنتظر من البشر أي مقابل، أن تُحسن وتتقن علمك وعملك، وأن تبدع في أدائك ومشاركتك وتفاعلك مع همومك وقضاياك؛ فالأثر الطيب ذكرُ ثانٍ للإنسان بعد مماته، والحياة مهما طالت قصيرة، ولكنها عظيمة وكبيرة في فلسطين، وأن تتعاون مع زملائك الطلاب في كل ما يتعلق بالقدس والأقصى، وأن تجعل من تخصصك حاضنة لفكرة، حتى لو بإحياء مصطبة علم داخل أسوار الجامعة أو المسجد أو الحي على غرار مصاطب العلم بالمسجد الأقصى؛ ولتكن عن المسجد الأقصى والقدس.

لا يمكن للإنسان أن يفرض طريقة أو وسائل ولكن الممكن الواسع هو أن يختار كل شخص ما يناسبه كفكرة يخدم بها قضيته التي يؤمن بها، والتي تعيش في صدره ولا تفارقه في نومه وصحوه، في مأكله، أثناء دراسته وعمله؛ فلنجتهد ولا نكسل فإنما حياتنا أيام وتنقضي، ولنعمل فيها ما يسرنا في الآخرة.

خرجتُ من القدس لأعود إليها بعلمي، لأعود إلى ساحات مسجدي الأول بعلمي ودعوتي، ولا زلت على عهدي فإن لم أعد، ولم أعمل فيها، ولم أستشهد على ثراها، فإني سأعمل لأجلها عن بُعد، والعهد من جيل إلى جيل، ليفتح أبنائي الطريق إلى تحريرها، أو يشاركوا في تحريرها، أو يكون لهم دور في دولتنا الإسلامية بعد تحرير البلاد وعودة أهلها وتحرير الأسرى والأسيرات.

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *