عام

حماس التي لا نعرف!

Views: 3366

تعد حركة حماس أحد الحركات القليلة التي انطلقت من داخل فلسطين المحتلة عام 1987 مقارنة ببقية الفصائل الفلسطينية، وهذا لا يعني أن اللاجئين في الخارج لم يكن لهم دور في تأسيسها والعمل على دعمها لتستمر، وبحسب ما أفصح عنه الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة بأن العمل على إخراج المشروع استغرق قرابة عشر سنوات وقد بدأ أواخر السبعينيات.

 ورغم أن التأسيس يُنسب للمكتب الإداري للحركة في الثمانينات سواء في الضفة والقدس أو غزة، إلا أن ما يجب أن يقال أنّ تمدد الحركة ووصولها لكل المناطق استغرق عدة سنوات، بما يعني أن لكل منطقة مؤسسًا أو شبابًا عملوا على نقل الفكرة وتبنيها والعمل لأجلها، ولكن التاريخ لم يسجل شهادة كل مَن شارك في ذلك تقصيرًا أو خوفًا أو سبقًا لسيف الأجل.

 اشتهرت حركة حماس بأنها حركة دينية، ولُقب قادتها بالمشايخ، وبعيدًا عن صحة استخدام اللقب، إلا أنهم عنوا به أنهم أهل الدين، والمساجد، وفي العموم مَن أطلق لحيته لقبوه بالشيخ، ولكن ما لم يتداوله الناس أن مؤسسي حركة حماس وخاصة الدائرة المعلنة لم يكن بينها أي حامل لشهادة شرعية، إلا فيما ذكر الأستاذ خالد مشعل عن مشاركة الشيخ محمد فؤاد أبو زيد وهو أزهري، وخلاف ذلك فقد تنوعت شهادات مؤسسيها بين اللغة العربية، والتاريخ، والجغرافيا، والطب، والهندسة، والصيدلة، والفيزياء، والخدمة الاجتماعية؛ فمن أين أتوا بالثقافة الشرعية التي صبغت حياتهم وسلوكهم وحروفهم المنطوقة، وغذت قدراتهم الخطابية في مختلف المواقف؟

 نجد ذلك في مرجعية حركة حماس ومؤسسيها؛ فهم أبناء مدرسة الإخوان، وتربوا على موائدها في الأدن وسوريا ومصر، يضاف إليه ما أدلى به الشيخ أحمد ياسين في شهادته على العصر حول ما كانوا يتدارسونه ذاتيًا بشكل دوري سواء في أماكن سكناهم أو في المعتقلات الصهيونية، وما تحدث عنه د.عدنان مسودي في مذكراته، وما أشار إليه الأستاذ خالد مشعل في مقابلته على الجزيرة 08/12/2016.

 تنوع علمي وثقافي خدم القدرة على الانضباط والتنظيم، فكرًا وسلوكًا، ثم منهجًا وتحشيدًا وجمعًا، ومن ثم انطلاقًا وانخراطًا، وقدرة على إدارة الأزمات المختلفة التي رافقت مسيرة حماس؛ فهي حركة إسلامية المرجع ولكنها ثورية النهج، علمية الاختصاص والثقافة.

 فقد تعرضت حركة حماس لعدة عقوبات جماعية استهدافًا لقياداتها وأنصارها في ظروف مختلفة كانت المرة الاولى في حزيران 1989 والتي لم تؤثر على نشاط الحركة في الانتفاضة، أما المرة الثانية فكانت باعتقال 1700 ردًا على عملية مقتل 3 مستوطنين في يافا طعنًا بالسكين في ذكرى انطلاقة حماس الثالثة، والمرة الثالثة كانت بإبعاد حوالي 415 فلسطينيًا؛ بينهم 375 من قيادات وأبناء حركة حماس ردًا على خطف وقتل الجندي نسيم توليدانو عام 1992 في الذكرى الخامسة لانطلاقة الحركة، بينهم من الأطباء 12، والمهندسين 14، وأساتذة الجامعات 17، والعلماء 100، والصحافيين 4، وحملة الدبلوم 71، والتجار 36، الممرضين 5، والمحامين 1.

 اختلفت العقوبات الجماعية حتى كان ذروتها باغتيال القادة السياسيين بالقصف خلال انتفاضة الأقصى، وأمام كل عملية مقاومة أو مرحلة جديدة كان هناك ثمن يدفعه الفلسطينيون وعلى رأسهم قادة الحركة التي لم تنتهِ، وعقب مشاركة حماس في الانتخابات البلدية عام 2005.

 وعام 2006 بعد خطف شاليط بغزة إذ اعتقل كافة نواب الحركة في الضفة وفُرضت عقوبات جماعية قاسية على الأسرى في سجون الاحتلال، ثم عوقبت عقب عملية سيل النار عام 2010، ثم كانت العقوبات الجماعية الأوسع عند محاصرة محافظة الخليل وفرض سلسلة من العقوبات الجماعية عام 2014 إثر خطف وقتل المستوطنين الثلاثة شمالي المحافظة، وتتعافى الحركة بعد كل مرحلة، وما كان لحالها أن يتعافى لو لم يتضمن غنى معرفيًا ومكونات نفسية مختلفة وقدرة على التنظيم والانضباط تجعل من اجتياز الأزمات لازمة مرحلية لا يمكن الاستسلام لها؛ فيكون لها دائمًا من اسمها نصيب.

 يضاف إلى تكوين حركة حماس أنها تضمنت مؤسسين من كافة البيئات الاجتماعية، المدينة، والقرية، والمخيم، إلى جانب النازحين والمغتربين، مما يضفي عليها مسحة الانتماء إلى الكل الفلسطيني، وللكل نصيب منها وفيها.

 استوى فيها العطاء فكانت رؤوس القيادات وأبناؤهم برؤوس أبناء حماس، لا فرق بينهم في قافلة الاستهداف والشهادة، فاستشهد أكثر من 30 قياديًا، كما استشهد أكثر من 10 قيادات مع زوجاتهم وأبنائهم، وقدم أكثر من 40 قيادي؛ شهيدًا أو أكثر في مواقف مختلفة، ولا زالت تقدم المبعدين، والمعاد اعتقالهم، وسلاسل تضحيات في إثر بعضها تتجدد كل حين من شباب وشابات، ورجال ونساء.

 ولاسم الجناح العسكري لحركة حماس “عز الدين القسام” الذي اتفق عليه عام 1992؛ جدير بالوقوف عنده مليًا، فهو إلهام من الله، أضاف لجهاد الحركة انتماء للجذور، وبُعدًا إسلاميًا وتاريخيًا، يجاوز بالقضية حدود المكان والجنسية.

 حماس التي لا نعرف؛ أفراد نصيبهم من بشريتهم كنصيب كل الناس، ولكنهم يُقوَّمون بألسنة حداد إن لم يقوِّموا أنفسهم، وإن لم يحافظوا على نقاء الفكرة، وقوة الخلق والسلوك، ولأن الإسلام ارتبط بذهن الناس بالكمال فإنهم لن يقبلوا ممن اختار الانتماء إلى الإسلام هوية وثقافة أن يتزحزح عن ذلك قيد أنملة، وإن كان هذا صعب الاحتمال لكنه درب من اختاروا الطريق الشاقة والفكرة العظيمة.

 حماس التي لا نعرف؛ ليست الأسماء التي نُسب لها فضل فقط؛ بل كل مَن خلف الصورة، كل مَن خلف الأحداث، الذين يصنعون فسيفساء نصر الأمة من علماء، وشباب، وأطفال، ونساء يبذلون أوقاتهم وجهودهم وأموالهم ودماءهم في داخل البلاد وخارجها حتى أقاصي الدنيا، ولهذا في لحظات الانتصار العظيمة مثل تحرير الأسرى يشعر كل مسلم أنه المنتصر، وأنه شارك ولو بدعوة خفية لا تُسمع في تحقيق هذا النصر، وهكذا إلى النصر في الموقف الفاصل.

وكل نصر، وكل فخر؛ ما اكتمل إلى بإرادة الله؛ فسبقَ البذلُ والجهاد استحقاقَ الهداية والتمكين:

والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين” (العنكبوت: 69)

إسراء خضر لافي

15 ربيع أول 1438هـ

14 كانون أول 2016مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *