عام

بين الاستسلام والمواجهة في الحياة العامة

Views: 1028

تساعد المحن مجتمعة على فهم الإنسان والمسلم تحديدًا لدوره في الحياة، ولموقعه من الإعراب في المشهد العام، في مشهد الصراع الكلي، في مشهد التدافع الأكبر، بين شخص وشخص، أو شخص وجماعة، أو جماعة وجماعة.

البعض يغرق في التسطيح، في نظره العام لكل الإشكاليات، فيعتبر انتخابات نقابية مسألة تداول اعتيادية، ويجب تقبلها برحابة صدر؛ مع أن هذا الشخص تحديدًا أكثر الناس عويلًا وبلطجة لو لم يحصل على ما يريد في التداول! وهو نفسه الذي يجيش المال والأمن وخدع الشياطين أيضًا ليحقق نتيجة ضمن ما يسميه “مسألة تداول”، ولو صح منه القول لأبقاها في حجمها الذي يجب أن تكون فيه في معادلة أخرى ليست قائمة في بلادنا المحتلة، وعلى هذا فهي ليست مسألة تداول اعتيادية، ولا حرية شخصية، ولا استحقاقًا دوريًا.

وحين يُصادر من الإنسان المال، ويُطرد من عمله، وتُغلق مؤسسته، ويُلاحق أفرادها، ويُجبرون على قطع علاقاتهم ببعضهم تحت الإرهاب والتهديد، فإن الهدف ليس القضاء على فكرة ضايقت بعض المرتزقة الصعاليك، لكن الهدف أن يعلن هذا الشخص المحارّب استسلامه، وخروجه من مشهد الحياة، الهدف أن يفقد الثقة بنفسه وبمن حوله وبفكرته، ثم تتطور الأهداف لتصبح إخراجه من الاستسلام إلى التعالي وتسخيف الفكرة بنفسه وممارسة دور الوصي المنبه للأخطار والخسائر الدنيوية؛ لأنه اختار منهج السلامة، وانحاز من حيث لا يدري إلى صف من جلد ظهره!

حبُ السلامة يثني همَّ صاحبه … عن المعالي ويُغري المرء بالكسل

يخطئ الداعية حين يلوذ بالصمت والانعزال عن المجتمع دون أن يكون له صوت، دون أن يوافق ويخالف، دون أن يحاول أن يحقق لنفسه المناسب له دون تنازلات، يخطئ وهو في كل مرة يحاور ذاته بالتأني، ويتردد ثم يتقهقر ثم ينكفئ مرة أخرى ثم لا يعود له وجود، ومع الزمن يصبح وجوده لا قيمة له، وصوته لا قيمة له، فيفقد التأثير، ويفقد القدرة على التدافع.

كالمسلم الذي يترك الصلاة حتى لا يقال (إسلامي)، وذلك الذي ينخرط في حفل ماجن حتى لا يعاكس التيار، وآخر لا يدخل المسجد كي لا يُساءل، وتلك التي تتخلى عن حجابها لتشبه مجتمعها، ثم تتنازل فيما تقرأ وتسمع وتقول، وكله يقول لك (عادي)، (فش فيها إشي)، (لسة بدري)، (بديش وجع راس)، (خلي غيري يحكي)، (شو دخلني؟)، (الباب الي بجيك منه الريح)، (قدمت بما فيه الكفاية)، يمنون على الله أن أسلموا!

ران على القلب أم زبد مغرق اختلطت معه الرؤى والمواقف؟ فإذا كان المجتمع الذي يدعي تقبل الاختلاف؛ يرفض أن يكون لك كيانك، وتخشى فيه من إظهار ما يناسبك، فكيف تطأطئ الرأس وتمضي؟ كيف تقبل بأن لا يكون لك محل من الإعراب؟ والحقيقة أن مَن يخرج من المعادلة يصبح بلا هوية، ضائع يلبس ثوب (البريء!) زورًا، وكأن الانتماء للدين وإعلان شعائره رجس من عمل الشيطان تستوجب التبرؤ والإثبات!

الذي يعرف معنى المسلم وعزته يعي معنى أن المواجهة وحدها كفيلة بأن تبقي صوته عاليًا حاضرًا لا يمكن تهميشه، المواجهة التي لا تعني القتل والقتال بالضرورة، المواجهة التي تحمل معنى بذل الجهد في الإصلاح، بذل الجهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بذل الجهد في محاولات البقاء، بذلك الجهد في (المحافظة على الهوية من الذوبان، وعلى الوجود الإسلامي من الاندثار)، وبذل الجهد في نقل الناس من المصلحة والنفعية إلى الأفكار، إلى الوعي، إلى الاختيار الناضج، ليس لهوى ولا لامتلاء كرش أو جيب، وليس لعشق فارغ ولا لوعود كاذبة، الاختيار الذي تكون أنت فيه واضحًا صريحًا، لا يهمك من خذلك، ولا من ضرك، لأنك أنت وحدك أُمة.

لا يدفع الظلم العتي بغفلة … بل بالصمود وعدة وعتاد

مش انتخابات طلابية، مش انتخابات نقابية، مش انتخابات بلديات، وفش بالبلد معركة بريئة، فما دامت تُجيش الجيوش فهي حرب عليك عنوانها (الصعلكة)، وهدفها (تحييدك)، سيقبضون اليوم ما يكون عليهم حسرة غدًا.

وكما قال الياسين: (إذا كان قادة المراكب لا ييأسون، ومصرين على خطواتهم، فالشارع دائمًا وين ما وديته بروح، بمشي، بجري وراك)، (هي طريق الجهاد، الي بده يجاهد بده يتحمل، بده يسجن، بده يُعذب، بده يموت، أما بدوش جهاد يروح ينام في بيت أهله).

إن يَسْلُب القوم العِدا مُلْــــكِي وتُسْلِمني الجموعْ

فالقلب بين ضُلُـــــوعِهِ لم تُسْلِمِ القلبَ الضلوعْ

20 رجب 1438 هـ

17 نيسان 2017 مـ

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *