أعرِب نفسَك! 07/2013م
أعرِب نفسَك!
قد مرَّ بنا في اللغة إعراب الحروف والكلمات ومعرفة مواطنها ومقصدها حسب موقعها في التقديم والتأخير، والإثبات والنفي، والرفع والجر والنصب، والإضافة والعطف.
كذلك لكل شخص في الحياة موقع وإعراب، يوازي إعراب اللغة، ولكن بمواقع وصفات إما رفيعة أو وضيعة؛ فمؤمن وكافر، مجاهد وقاعد، عالم وجاهل، منتبه وغافل، عامل وعاطل، كريم وبخيل … إلخ، وقد تكون مواقع عمل تحتمل أن تكون في الخير أو الشر: كاتب، محلل، مفكر، داعية، مؤذن، معلم، مهندس، طبيب، تاجر، صحفي، مصور، … إلخ.
ولكلٍ سعيه ومكانه وموقفه ورأيه، لا يمكن للمرء أن يكون غير نفسه، ولا يمكنه أن يحيط بكل شيء علمًا أو عملًا، ولا يمكنه أن يكون مُحقًا في كل قول واجتهاد ونظر، لكنه يمكنه أن يقوم بدوره الذي خلقه الله ويسره له، أن يؤدي رسالته التي يتقن فنونها وطريقتها، أن يعمل فيما يهتم ويبذل جهده وفكره.
لهذا لا يمكن لإنسان مهما اشتهى وتمنّى أن يكون كفُلان أو يمتلك إمكاناته أو فنه إلا أن تبقى تُوجِهُه بوصلة إمكانياته وما خلقه لأجله ليكون ذاته؛ ليعرفها ويفهمها ويعرف كيف يقود نفسه إلى المربع الذي يملأه ويجيده.
فالمجاهد الشهيد مهما درس وعمل وسعى في حياته يقربه مولاه إلى طريق الجهاد كلما حاول أن يعمل في دنياه أكثر؛ لتكون الشهادة اصطفاء ما صدق القلب النية والقول والعمل وأحسن التوجه والسؤال.
يقول تعالى: ” مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا” الإسراء: 18-19.
ابحث عن إعراب نفسك في حياتك، ولا تُكره نفسك على خوض معركة ليست لك، وارضَ بما قسم لك مولاك؛ فأنت وأنا وهو وهي لكل منا دوره الذي لن يقوم به غيره مهما التقينا وتشابهت ألفاظنا وأرواحنا، ولا تطمع فيما ليس لك، وتذكر قوله عز وجل: “ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى” طه: 131.
قيل: إذا أردتَ أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك، وأقول: إن أردت أن تعرف شرف همتك فانظر إلى غايتك.
أكتب هذه السطور وفي نفسي غصّة حقيقة فالإنسان بطبيعته طمّاع، وطمعي أن أجيد كل شيء وأتقنه وأكون الأفضل في دنياي وآخرتي، ولكني فهمتُ أخيرًا أن الحياة أدوار والتكامل جميل وكلٌ منا له دوره الذي لن يقوم به غيره، وكل منا له لقبه بين أهل السماء وأهل الأرض؛ فاللهم اكتبنا في المخلَصين المخلِصين الصالحين العاملين المجاهدين.
تقبل الله طاعاتكم وكتبنا وإياكم من عتقاء شهر رمضان
إسراء
22/رمضان/1434هـ
31/تموز/2013م