عام

الانفصام الخطابي-السلوكي / حركة فتح

Views: 1163

الانفصام الخطابي-السلوكي / حركة فتح

لستُ هنا بصدد تقديم دراسة علمية حول محورية هذا السلوك لدى حركة فتح في تاريخها، ولكني أنطلق من مجموعة ملاحظات تبيَّنت لي من خلال مراقبة خطاب الإذاعات المحلية ولغة وسلوك رؤساء العديد من المؤسسات في المجتمع وتصريحات قادة ورموز الحركة؛ إلى جانب السلوك الأمني في الضفة الغربية وارتباطه بشكل وثيق بحركة فتح وترؤس أبنائها لمعظم المؤسسات الخدماتية والأمنية.

وإذا كانت حركة فتح سوق بلا وجهة أو دماغ فكري ويستقي أبناؤها من العَلمانية فكرة (فصل الدين عن الدولة أو الحياة العامة)؛ فيبدو  لي أن هذا السلوك الانفصالي تجلَّى في مجالات عديدة حتى بدا تزيين الكلام حِرفة وواقع الحال شيء آخر.

في الوقت الذي ترفض فيه فتح استخدام غيرها الدين “لدغدغة مشاعر الشعب”؛ فإنها تقوم باستخدامه والانطلاق من اللغة العاطفية للدخول للناس، وتقوم باستخدام بعض النصوص فيما يخدم لغتهم العدائية الهادفة فقط إلى توجيه السهام نحو حماس وكأن الاحتلال انتهى ولم تبق مشكلة إلا (حماس غزة)!.
وفي الوقت الذي يقوم به المستوى السياسي في فتح بأعلى تنسيق أمني؛ والاستمرار في التفاوض واللقاءات التي تندرج تحته، مع ما يرافق ذلك من ممارسات تهويدية واستيطانية يقوم بها الاحتلال؛ فإن الإذاعات المحلية (الفتحاوية) وفي البرامج المفتوحة التي يديرها س وص من أبناء فتح يقومون بتوجيه خطاب تهييج للجماهير؛ يرفض الاستيطان ويسب الاحتلال ويتساءل مَن المسؤول؟! ولكنه في ذات اللحظة لا يقترب بأي شكل من انتقاد قيادته السياسية أو انتقاد التفاوض أو التنسيق الأمني!
وفي الوقت الذي يستشهد فيه الأسرى وتخرج الجماهير الغاضبة وتلقي بعض قيادات فتح الخطابات الرنانة الداعية إلى دحر المحتل والانتقام؛ بل وتقوم كتائب الأقصى بإطلاق الرصاص في الهواء والتوعد؛ تقوم الأجهزة الأمنية وبتوجيه مباشر من الساسة بملاحقة المقاومين وتسليم الخلايا وتسهيل الوصول إليهم؛ ثم الجلوس بعيدًا ومراقبة مشهد القتل وانتظار الجثث وكأن لا علاقة لهم، ثم يخرجون بدموع التماسيح ينعون الشهداء ويلعنون الظلام!
بل في الوقت الذي يحتفلون فيه بالأسرى المحررين ويقيمون الفعاليات للأسرى، فإن الهدف ليس صناعة ثقافة مقاومة كان ثمنها أعمار الرجال، بل الهدف فقط الظهور الإعلامي ولغياب الصدق تبدو فعاليات هزيلة وهزلية، خاصة إذا علمنا أن كثير من المعتقلين سلمتهم أجهزة فتح أو عذبتهم في سجونها!
ففي الوقت الذي يصف بعضهم المقاومة بالعبثية يقوم باحتضان المحررين الذين قتل كل منهم على الأقل يهودي واحد، هو هنا: يحتفي بأعمارهم في السجون ولكن لا يُمجِّد عملهم.

في صورة تظهر انسجام الخطاب والسلوك الفتحاوي مع ما يحقق أمن الاحتلال، وتناقض الخطاب مع السلوك في التعامل مع أبناء الشعب الذين يتبنون المقاومة خيارًا.

وفي الوقت الذي تتورط قيادات كبيرة في فتح بقتل وتصفية بعض رموزهم، يستمرون في الشعارات واجترار الماضي وإبعاد العقول عن التساؤل والعيون عن الالتفات لكشف الحقائق، ورغم استمرارهم في الانحدار فإنهم يحاولون بكافة الأشكال موازنة السيطرة على المد الشعبي حفاظًا على شعرة معاوية مع المحتل وليس مع الشعب أو حفاظًا عليه!
سلوكهم ينطبق عليه المثل: (يقتلون القتيل ويمشون في جنازته)! فحتى إن تورطوا بفساد وخيانة فإنهم أول المنخرطين مع الجماهير الغاضبة، وآخر مَن يمكن أن يكون سببًا في رد فعل حقيقي (مقاومة) ضد الاحتلال!
هناك عقدة نفسية ينطلقون منها في التعامل مع الحركة الإسلامية وهي عقدة (التكفير) والتي لم يساهم في تكريسها الشباب المسلم بقدر ما أنها ثقافة زُرعت في عقول أبناء فتح من قيادتهم الانفصامية.
وهذه كرست لديهم شعور الأنا الأعلى، فهو يتعامل بطريقة: أنا مسلم وإنت مسلم، والحياة مصلحة، والمصلحة تقتضي التناقض الذي يرونه ظاهريًا ولكنه أعمق من ذلك بكثير ينطبق عليه قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا  لم تقولون ما لا تفعلون”.
حجم الفراغ الذي يوارونه بالجعجعة واللسان (الحلو)، وحجم الصراع الذي يحكم علاقاتهم حتى فيما بينهم، سيُقضى عليه مع أول أزمة حقيقية سيمر فيها الشعب فالوضع على الأرض وصل عنق الزجاجة والمسألة مسألة وقت لزوال الزَبَد.

إنَّ مَن يفكر في اللحظة الراهنة فقط ويطلق شعارات مثل (عيش اللحظة)، (احنا أولاد اليوم)، (لا تحسب، لا تفكر…إلخ) سعيُهم مبتور ويذهب هباءً منثورًا.

 إسراء خضر لافي

Comments: 0

Your email address will not be published. Required fields are marked with *